Sunday, 24 May 2015

قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين. إلا عبادك منهم المخلصين


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم

تدل الآية الكريمة ان الانبياء وعباد الله المخلصِين محصنين في وقوعهم بالاثم والزلات ونزغات الشياطين فهذا مما اكد الشيطان بلسانه انه يعجز ان يغويهم ويغريهم فكيف يحدث في بعض الاحيان زلات بسيطة وطفيفة غير تعمد ولا تكرار من الانبياءالمعصومين وعباد الله المتقين المخلصين هذا مما ننتناقش ان شاء الله اولا لابد ان نعلم ان هناك وساوس قهرية خارج ارادة البشرسواء كان نبيا  معصوما اوالمتقين المخلصين  فهى من تشائم وتفاؤل امور عقدية وغير عقدية وهو شعور مسلط للانسان سواء كان من الشيطان او من النفس ومن المعلوم ان مصادر الشر والاغواء والمغريات ليست من الشيطان فقط فهناك مصادر اخرى منها شر النفس الامارة بالسوء والنفس اللوامة وايضا وسوسة الناس كما قال تعالى (مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ  . الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ . مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) فلما يقول الشيطان الا عبادك المخلصين فليس هذا معناه ان العبد ينجو من تأثير شرور ووسوسة النفس والناس وهذا لا محالة له وهو امر خارج بارادة الانسان ولا يستطيع المرء ازالتها والانفكاك منها ومقاومتها والتغلب عنها لانها سنة كونية وفطرية  واختبار ايمان العبد من الله وهي من الابتلاءات مما يجعله المؤمن يشك في وجود الله ويشك بعض شعائر الدين كالصلاة والطهارة وهي من كيد الشيطان او النفس ومن المعلوم ان اهل الايمان القوي الراسخ هم الذين تأتيهم هذه الوسوسة كما قال رسول الله صلي الله عليه  وسلم(حديث فاطمة بنت اليمان أخت حذيفة قالت :  أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - في نساء نعوده ، فإذا بسقاء يقطر عليه من شدة الحمى ، فقال : إن من أشد الناس بلاء الأنبياء ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم) وهذه الوسوسة كثيرا تأتي في وقت انغماس العبد في العبادة والطاعات واستسلامه بالله قلبا وقالبا وحين يشعر لذة الايمان وطعم العبادة وكان هذا قد حصل في بعض اصحاب رسول الله الاتقياء الأخياروقد اشتكو الي رسول الله صلي الله عليه وسلم  لما نزلت الآية الكريمة قول الله تعالي (لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ ۖ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِير)اشتد ذلك علي الصحابة رضي الله عنهم واستثقلوها في انفسهم وخافوا منها ومن محاسبة الله لهم علي جليل الاعمال وصغارها وحقيرها وهذا يدل علي قوة ورسوخ ايمانهم وقوته وتعظيمهم وخوفهم بمحاسبة الله  واتوا الي رسول الله صلي الله عليه وسلم فقالو يا رسول الله كلفنا من الاعمال ما نطيق وما نقدر نؤديه من واجبات الصلاة والصيام والجهاد والصدقة ولكن انزلت عليك ءاية لا نطيقها مما تأمرنا فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم اتريدون ان تقولوا كما قالوا اهل الكتابين من قبلكم سمعنا وعصينا بل قولوا سمعنا واطعنا غفرانك ربنا واليك المصير فلما اقر القوم علي ما كلف بهم ربهم وذلت السنتهم واستسلموا لله وخضعوابامر الله وءاياته انزل الله بعدها قوله تعالي (آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن باللّه وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير. لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) فقد روي اصحاب رسول الله أنهم قالوا:( يا رسول الله! إن أحدنا ليحدث نفسه بالشيء ما يحب أن يتكلم به. قال: ذلك محض الإيمان) وتدل الآية عدم المؤاخذة والمحاسبة علي ما تحدث به نفس المؤمن وتؤمربه ما لم يتعدي الوسوسة الي الفعل ولكن اذا قام العبد بفعل الوسوسة  فهذا مؤاخذ بما فعل وهذا الابتلاء هو لصالح المؤمن لينال الدرجة العالية في الاجر عند الله فهي تنقية نفس المؤمن صالحها وطالحها وطيبها وخبيثها فالنفس اصلا امارة بالسوء الا من رحم الله وهي ظالمة وجاهلة وهذه الوسوسة القهرية هي جهاد النفس وتربيتها وتهذيبها والعدول بها الي طريق الصواب ولا بد لكل نفس مؤمنة صادقة في ايمانها ان تبتلي وتمتحن في الدنيا لأن الدنيا دار ابتلاء وليست دار جزاء(أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ. وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) فمن هنا فلا بد للمؤمن ان يصبر بالوسوسة القهرية حتي ينال سعادة دار الاخرة فعلا ان الوسوسة هي مشقة وصعبة  للغاية لانها تارة تأتيك في تشكيك العقيدة الغالية وهذا مما يؤلمه المؤمن الصادق ايمانه والمتمسك بدينه وتارة تأتي بأشياء مما لا يليق به ربه سبحانه وتعالي وتارة في النبي صلي الله عليه وسلم في صدقه ورسالته الغراء وتارة في تشكيك كتاب الله وتارة يشك المؤمن ايمانه ويسأل نفسه هل انا مؤمن ام لا وكل هذا يحتاج الي صبر وثبات في الدين وعض بالنواجد لأن سلعة الله لا تؤخذ بثمن بخس انما هي غالية يقول الله ( وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَآ إِلَىٰٓ أُمَمٍ۬ مِّن قَبۡلِكَ فَأَخَذۡنَـٰهُم بِٱلۡبَأۡسَآءِ وَٱلضَّرَّآءِ لَعَلَّهُمۡ يَتَضَرَّعُونَ( وقال رسول الله لا يزال الناس يتساءلون حتى يقولوا : هذا الله خلق الخلق , فمن خلق الله؟  
وفي بعض الحالات يصل المؤمن الى حد انه يعتقد خرج عن الملة  والايمان من شدة الوسوسة وانه بعيد من رحمة الله وءايسا من ربه وهذا كله لا يؤثر المؤمن اذا كان ايمان المؤمن وعقيدته راسخة وقوية وثابتة الامر عند حدود الوسوسة مالم تتعدى القيام بالفعل والنطق بها ولا بد للعبد اذا وصل في هذه الحالة القاسية ان يتقرب الى الله بصالح الاعمال وان يسارع الى كثرة التوبة فانت في هذه الحالة بحمد الله ايمانك قوي ايها العبد الصالح فاحمد الله كما قال رسول الله جاء ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به، قال: أو قد وجدتموه؟ قالوا: نعم، قال: ذاك صريح الإيمان) جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : " إِنِّي أُحَدِّثُ نَفْسِي بِالْحَدِيثِ لأَنْ أَخِرَّ مِنَ السَّمَاءِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَتَكَلَّمَ بِهِ ، فَقَالَ : ذَاكَ صَرِيحُ الإِيمَانِ) وهذه الوساوس تعرض كل مؤمن سواء كان مخلصا او غير مخلص والمخلصين اشد تعرضا فهذه الوساوس لا يترتب عليها اي حكم بان صاحبه ليس في اثم ولم يوقع في محظور ولا بد ان يجتهد في مدافعتها فقط وكيف يتخلص عنها وان لا يستسلم كيد الشيطان والنفس ولا يخيب ظنه في ربه فهذا يدل على عجز الشيطان ان يغوي عباد الله ويوقعهم على الشرك والكبائر ويخرجهم عن الملة لانه اقتصر امره الى الوسوسة لانه لا يملك سلاح غير هذا وليس بقدرته الارغام والاجبار على العباد في الشرك والكبائر فهو سلاح ضعيف امام المؤمن المخلص القوي الايمان (الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ ۖ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا) وفي بعض الاحيان يعرض هذا اللعين على المخلصين على اشياء حساسة لا يتقبلها المؤمن من شدة عظمها من انكار وجود الله وعدم الايمان وهذا في اعتقاد المؤمن امور حساسة لا يحب ان يخوض بها فان خاضها يظن انه اقترف كبيرة من الكبائر ولهذا ان الشيطان يكررها مرارا وتكرارا ويعاودها  ويلح كثيرا ويعاود مرة تلو اخرى حتى يصبح المؤمن يسيء الظن بربه ويقنط من رحمة ربه (ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ ۖ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ
واحمد ربك ايها المخلص ان ايمانك قوي وثابت وراسخ في تلك الحالات التي تواجهها من الشيطان (إن الله تجاوز لأمتي عما وسوست أو حدثت به أنفسها ما لم تعمل به أو تكلم
ومن هنا اتضح لنا ان الشيطان لا يقدر ان يمتلك قلوب المخلصين ولا ان يضلهم اضلالا فاحشا مثل خروجهم عن الملة والعياذ بالله ولا يقدر ان يزلهم زلة تؤول البعد من الله وان يحول بينهم وبين ربهم هي زلة تزيله التوبة والانابة  والتقرب  الى الله والاستعاذة بالله من هذا العدو الخفى الذى يتربص بالمؤمنين بشتى وسائله 
فاما الانبياء فهم بشر يصدر عنهم الخطأ فليس الخطأ الذي يقع منهم من الكبائر انما هي اخطاء من الصغائر فذهب اهل العلم ان الانبياء ليسوا معصومين من الصغائر والاخطاء البسيطة والنسيان والغضب ولعل يقع منهم بعض الصغائر والاخطاء البسيطة وانهم لا يقرون بهذه الاخطاء ولا يكررونه ويتبادرون ويسارعون الى التوبة والانابة الى الله وليس هناك نبيا تعمد في الذنب انما هي صغائر واخطاء وقعت منهم دون تعمد او قصدا وفي بعض الاحيان تكون هذه الاخطاء وهذه الزلة هي اجتهاد بشري  لم يصادف الحق فانهم غير معصومين عن ذلك فعصمة الانبياءيختص فيما يبلغون عن الله من الوحى والرسالة واما ما يتعلق فى اجتهادات الرسل فهو اجتهاد بشرى فهو فى موضع نقاش بين اصحابه ذوي الراى السديد واصحاب الحكمة  فهناك فرق بين الوحى المعصوم المنزه من الخطاْ والزلة التى لا نقاش فيها ولا ادلاء راى وبين اجتهاد بشرية  الرسل التى يعتريها الخطاْ والصواب ان الرسل بشر لا ينفكون عن الطبيعة البشرية عصمهم الله من التعمد والتكرارفى الذنوب ووقوع الكبائر فهم يغضبون وينسون كبقية البشر عن طريق الاجتهاد فهم بشر يخطئون ويصيبون في الاجتهاد ان كان الامر لا يتعلق بالوحي اما ما يبلغون امتهم بالوحي والرسالة فلا يقع منهم صغيرة ولا خطأ لان الوحي محفوظ من الله وليس باجتهادهم وان وقع منهم خطأ عاتبهم الله ونبههم فانهم يتوبون ويستغفرون فور وقوع الخطأ والزلة وهذا من شدة ورعهم وخوفهم من الله فا لاخطاء التى تقع منهم عن طريق النسيان  لا يقدح ولا يجرح مرتبتهم عند الله  ولا يقلل علو اقدارهم عند الله بل كان الله سبحانه وتعالى  يمدحهم  ويزكيهم  يقول الله فى حق الا نبياء (ورفناه مكانا عليا )  (فغفرنا له ذلك وان له عندنا لزلفى وحسن مئاب ) (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ ۚ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا) (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ ۚ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا. وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا) قال رسول الله صلي الله عليه وسلم (إن الله تجاوز لأمتي عن الخطأ والنسيان ، وما استكرهوا عليه) فلا يؤاخذ الله عن النسيان والخطأ ما لم يقع بقصد او تعمد فمثلا
 فالوسوسة ليست معناها قدح النبوة او العصمة او اخلاص المتقين فالله يحاسب العبد ما قصد وعمل وقام به (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) فكل ما يقع من الانبياء المعصومين ليس الا نزغ ولمس فكل هذا تأثيرمحدود لا يؤديه الي معصية الكبائروقد بين الله سبحانه وتعالى واكد ان نبى محمد صلى الله عليه وسلم قد تسبب له نزغة من نزغات الشياطين قال تعالى (واما ينزغنك من الشيطان فاستعذ بالله انه هو السميع العليم)ولكن لا بد ان نعلم ما مدى هذه النزغات وتاثيرهاانها نزغات لا تتعدى الى اخطاء بسيطة مثل النسيان والغضب وهيهات ان تؤدى الى كبائر او مخالفة  امر الله قصدا وتعمداوذكر الله فى كتابه العزيزان عباده المتقين قد تاتيهم مس الشيطان ووسوسته واغوائه ولكنهم يتذكرون الله وهم دائما على بصيرة قال تعالى(ان الذين اتقوا اذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فاذاهم مبصرون) وقد بين الله سبحانه وتعالي سلطة الشيطان علي عبده ولكن ليسوا كل عباده انما هم الذين استسلموا للشياطين واصبحوا حزبهم (إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ) (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِين)  
فليس هذا معناه ان الشيطان لا يوسوس المخلصين ولا يغري لهم ولا يحاول باغوائهم انما هو لعنة الله عليه يحاول باقصي جهده واسرار غوايته ومكره وخدعته قال تعالي (فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى) فهذا يؤكد ان الشيطان يحاول الانبياء المخلصين وكل هذا ليس معناه قدحا لعصمة الانبياء والمتقين والمخلصين في عصمتهم من الله لأنه لعنه الله لا يقدر ان يوقعهم في معصية فاحشة او كبيرة من الكبائر فنزع الشيطان للمخلصين انما هو محاولة وليس هذا يعني تأثير العصمة ولا افساد الاخلاص او جرهم الي قيام فعل الكبائروعلي العبد ان يستعيذ من نزغات الشياطين (وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)  واما المس فهو فقط اذي فلا يدل علي خرق ابليس لعنه الله حدود العصمة والاخلاص ولا ان ينال منهم الا اذي فالاذية ليس الطعنة للعصمة ولا الاخلاص (وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين
واما الوسوسة فهي حديث النفس فكل منا يعاني هذا بلا استثناء فهي حديث في ذهن الانسان محاولة القاء الشك في امر الدين والخوف فهذا تجاوز الله لعباده فلا يحاسبهم فاذا استعاذ العبد لربه خنس الشيطان وابتعد والوسوسة اصلها هي صوت خفي وهمسة كأنْ يلقي في اذنك وليس هذه يعتبر قيام فعل معصية او ترك خير فهي لا تتعدي في الذهن وسلطة ابليس الكاملة والذين تمكن منهم هم الذين يفرون من ربهم ويتبعون الشياطين فهؤلاء الذين ملكهم ابليس واتبعوا خطوات الشياطين فهو الذي اضل نفسه قبل الشيطان لعدم انقياده اوامرالله وفعل المحظورات واتباع الشهوات وهوى النفس واصبح ولياً للشيطان وبعد ما اضل نفسه ملكه  ابليس واصبح لقطة ولقمة له وتأثر بتأثيره لأنه اصبح بعيداً عن حصن الله ولم يتخذ للشيطان عدوا
فالغواية والضلال اصلها تأتي من الانسان عن نفسه ان يكون تبعا لهواه وما تأمر نفسه الخبيثة وان يستسلم للملذات وتبع هوي نفسه والشهوات والملذات والمغريات فبعد ذلك يأتي الشيطان فيغويه ويمتلكه لأنه اصبح من اوليائه لأن الاصل لا يقدر ابليس ان يغوي عبداً قال تعالي (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان) تدل الاءية علي ان لكل عبد بلا استثناء مخلصهم وغير مخلصهم مُحَصنُ عند الله ولكن اذا اصبح العبد عبدا للشيطان وتبعا لهواه وجريا وراء الشهوات من هنا بعد ذلك تأتي غواية الله لأن العبد خرج من منهج الله وانسلخ من عبودية الله فهذا جزائه ان يسلطه الله عليه الشيطان لأنه  اراد بنفسه دون ان يجبره احد قال تعالي (إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ) وبعد ذلك يلوم العبد نفسه ولا يلوم غيره لأنه سلك طريق الغواية بمحض ارادته فهذا مما كسبت نفسه وليس الشيطان مسئول عن هذا ما كان ابليس الا ان زين له الفواحش والمعاصي ولم يجبره بسوء ( وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتموني من قبل إن الظالمين لهم عذاب أليم) وقال تعالي (كتب عليه أنه من تولاه فأنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير) وقال تعالي  (إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون
النسيان: كانت زلة نبي الله ءادم عليه الصلاة والسلام فمعصيته كانت زلة نسيان وليست زلة عصيان أن نبي الله ءادم لم يتعمد ولم يقصد بالمعصية انما نسي بوعد ربه والنسيان لا يعتبر القصد ولا التعمد فالانسان يمكن ان ينسي الصلاة من غير تعمد  وان الله لا يؤاخذنا ولا يحاسبنا عن النسيان (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها لاكفارة لها إلا ذلك) فهذا يدل ان الله لا يحاسبناعن النسيان قال تعالى (وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَىٰ آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا) ومع انه وقعت منه هذه الزلة قبل النبوة ولم يكلف نبي الله ءادم عليه الصلاة والسلام النبوة في حينها قال تعالى (فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ ۚ وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ. ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَىٰ) فكان الاصطفاء بعد الزلة فمن هنا تبين لنا انه ليس كان مكلفا قبل الاصطفاء انما كان الامر اختبار من الله
ومع انه لم يقر هذه الزلة وندم واعترف انه ظلم نفسه فبادر الي التوبة (قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين)    

فنبي الله  ءا دم ليست هذه المرة الاولي التي تقع عنه النسيان فقد نسي حين قرب اجله وانقضت مدة حياته انه نسي ان اعطي ابنه داوود عليه الصلاة والسلام اربعين سنة من عمره ولما قدم له ملك الموت نسي وجحد  (فَجَحَدَ آ  فَجَحَدَتْ ذُرِّيَّتُهُ ، وَنُسِّيَ آدَمُ فَنُسِّيَتْ ذُرِّيَّتُهُ وَخَطِئَ آدَمُ فَخَطِئَتْ ذُرِّيَّتُهُ")        اما حطاْ نبى الله داؤود عليه الصلاة والسلام فكان التسرع فى الحكم والاستعجال وعدم التريث والتاْكد قبل ان يستمع من الخصم الاءخرمما يدعى وبمجرد ادرك وتنبه انه  على خطا سارع الى التوبة والاستغفار مما صدر منه  من خطاْ غير مقصود ولا تعمد فغفره الله حين تاب (فَغَفَرْنَا لَهُ ذَٰلِكَ ۖ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَىٰ وَحُسْنَ مَآبٍ )غفره الله من هذا الخطا  الذى لم  يؤدى  الى نتيجة سلبية ولربما كانت قضية تدريبية من الله كيف يحكم بين الناس (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ) بارساله الله له ملكين ليحكم  بينهم ولم يحكم بشرين وقد امره الله ان يحكم بين الناس بالعدل  وليس للملائكة وهذا يدل على انها ليست قضية تكليفية انما هى قضية تدريبية كيف يحكم كما كانت قضية  ءادم عليه الصلاة والسلام اختبارا لا تكليفا لان الله لم يكلفه عبادة اخري غير عدم تقربه الى الشجرة
الغضب: فنبي الله يونس عليه الصلاة والسلام فقد كانت خطأه اجتهاد بشري وليست من الوحي لانه كان في حالة غضب من قومه ولم يصادف اجتهاده علي الصواب ترك قومه بدون اذن من الله خرج مغاضبا ولم يصبرعلى قومه كما صبروا بقية الانبياء على قومهم من الاذى والتهديد وعدم الطاعة لهم واتهامهم بالسحر والجنون والكذب (فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت إذ نادى وهو مكظوم) لأن قومه اصروا علي الكفرولم يؤمنوا برسالته ونبوته مع انه اخبرهم سينزل غضب الله عليهم اذا استمروا في حالهم ولم ينزجروا ولم يسمعوا كلامه فتركهم باجتهاد منه انه ظن ان الله لن يعاقبه  بتركهم لانهم اغضبوا نبيهم ولم يؤمنوا به فهذا كان اجتهاد خاطىء ولم يصادف الحق ولكنه صلي الله عليه وسلم لم يتعمد علي الخطأ ولا قصد بها فليست كان مخالفة لأمر ربه ولا عصيانه فكل الانبياء كانوا يجتهدون باجتهادهم البشري  فقد رأينا هذا في سيرة نبينا محمد صلي الله عليه وسلم كانوا الصحابة رضوان الله عليهم يسئلون النبي في مواقف قراراته غير الوحي القرارات الاجتهادية قبل القيام بالعمل اهو وحي يا رسول الله ام هو رأي ومشورة فان كان وحي يستسلمون لله السمع والطاعة والانقياد بامر الوحي ولو خالف الرأي البشري فلا يجادلونه ولا يعارضونه ولا يخالفونه لأن العقل البشري مهما كان من الرجاحة والفطانة والصواب فهو نسبي له حدود لا يتجاوز قدره واما اذا قال لهم فهو اجتهاد مني فكانوا يناقشون معه بادب واحترام وباسلوب حوار محترم فمنها موقعة بدر وايضا في مكان القتال في وقعة احد ورأي سلمان في حفر الخندق  كانت فكرة وخطة متطورةومتقدمةوغريبة فى حروب العرب ومع انهم كانوا قوما كثير الحروب يتقاتلون فيما بينهم ولكن هذه الخطة لم يكن معروفا فى حروبهم واصبحت مفاجاْة مذهلة لقريش ولليهود ورسول الله صلى الله عليه وسلم اخذ راى سلمان لانه كان راْيا صائبا                                                                وكذلك مشاورته صلي الله عليه وسلم فى اصحابه مع مفاوضته قبيلة غطفان بعد ان قام عقد صلح بينه وبين غطفان ان يتراجعواوينسحبوامن الحرب ضمن جيوش الاحزاب مقابل دفع المسلمين لغطفان ثلث ثمار المدينة وطلبوا النصف ولكن صلى الله عليه وسلم رفض النصف وقبل اتفاق العقد والصلح شاور  رسول الله واخذ راى اصحابه فرفضوا الصحابة اعطاء شيئا لغطفان لتمر المدينة وكان هذا من راى السعدان قالوا يا رسول الله امر تحبه انت فتصنعه -  ام شيئا امرك الله فلا بد من العمل به - ام شيئا تصنعه لنا - فقال رسول الله بل شىء  اصنعه لكم والله ما اصنع ذلك الالاننى رايت العرب رمتكم عن قوس واحد وكالبوكم من كل جانب فاردت ان اكسرعنكم من شوكتهم الى امر ما فقال سعد ابن معاذ يا رسول الله قد كنا وهؤلاءعلى الشرك وعبادة الاوثان لا نعبد الله ولا نعرفه والله لا ياكلون تمرة واحدة الا قري او بيعا افحين اكرمنا الله بالاسلام وهدانا له واعزنا بك وبه اى الله نعطيهم اموالنا مالنا بهذا من حاجة والله لا نعطيهم الا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم فقال رسول الله - انت وذاك - كانه يقر كلامه ورايه واقر رايه وراى انه صائبا فتناول سعد الصحيفة فمحاها ما فيها امام رسول الله فقال ليجهدوا علينا وسر  رسول الله بفعلهم فقال  انتم وذاك                    وهكذا كان رسول الله يشاور اصحابه وياخذ رايهم اذا كان الامر يتعلق برايه الشخصى وباجتهاد منه كما قال الله (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)                
    اما اذا كان الامر بامر من الوحى او حكم من الله فلا مجال للتشاور ولا للراى قال تعالى (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا)                                             فمثلا صلح الحديبية ومع ان شروطه وبنوده كانت جائرة واجحافا وذلا للمسلمين فى ظاهره بنظر اصحاب رسول الله  وصالح بجانب المشركين وحتى ان بعض اصحاب رسول الله وعمر ابن الخطاب اتى الى رسول الله ورفض ومنع ان يوقع رسول الله بهذا الشروط الباطلة الجائرة للمسلمين وقال  الست رسول الله قال رسول الله بلى يا عمر قال عمر السنا على حق وعدونا على الباطل قال بلى يا عمر فقال عمر مقولته الشهيرة علام نعطى الدنية على ديننا ونرجع ولما يحكم الله بيننا وبين اعدائنا فقال رسول الله هو ناصرى اى الله ولست اعصيه ولم يقبل  رسول الله فى هذا الموقف مع اصحابه التفاوض والتشاور معهم لان كان هذا حكما وامرا ووحيا من الله وليس رايه الشخصى صلوات الله عليه وسلم ومع انه كان يعلم ان شروط الصلح كان مخالفا لعقل الصحابة ونفوسهم ولئن لم ينتبهوا الصحابةبهذا فى حينه فذلك لان المستقبل غائب عنهم وهم فى هذا الموقف الصعب الحرج والغضب للمشركين حمية ونصرة لدينهم من الظلم واجحافا لحقوقهم ولكنهم ءامنوا بالله وصدقوا واستسلموا ولم يخالفوا رسول الله وامضوا الصلح          ومن هنا ممكن ان نقول  ان خطاْ الانبياء حكمة  من الله ليبين انهم بشر يصيبون ويخطئون من غير الوحى لئلا يحصل الغلومن بعض الناس وايضا ليعلم الناس ان لا اختلاط بين الوحى وافعالهم واجتهاداتهم البشري لان الله كلما حصل من انبيائه  زلة وخطاْ فى اجتهادهم لا يقرهم انما يعاتبهم وهم صلوات الله عليهم يتوبون فور صدور منهم الخطاْ والزلة  لا يؤخرون التوبة اذا ليس هناك ادنى شك فى عصمة الوحى ولا خلط بافعالهم  واخطائهم البشرى وكان وحى الله ينزل  فى عتابهم(عَفَا اللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ) (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ۖ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) (عبس وتولى. أَن جَاءَهُ الْأَعْمَىٰ ) وهناك امر ءاخر فى غاية الاهمية انهم امناء فى ابلاغهم الوحى كما انزل وكما جاء من الله لا يزيدون ولا ينقصون ولا يكتمون وحتى ان جاء الوحى فى عتابهم ونقدهم بافعالهم واقوالهم كما قالت عائشة رضى الله عنها لو كان النبى صلى الله عليه وسلم كاتما  شيئا من الوحى لكتم هذه الاءية (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ ۖ فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا ۚ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا)