بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على خير خلق الله
بعد ان خلقك الله يا ابن ءادم بيده واكرمك من جميع خلقه واسجد لك الملائكة تكريما وتعظيما لك قال تعالى (واذ قلنا للملائكة اسجدوا لاءدم فسجدوا الا ابليس ابى واستكبر
وكان من الكافرين)
وفضلك عن ابليس واخزاه الله وجعله رجيما من اجلك وجعله من الكافرين لما امتنع من امر الله بسجودك قال تعالى (قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ۖ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ. قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ ۖ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ. قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ. وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَىٰ يَوْمِ الدِّينِ.)
ومن هنا بدأ عداوة ابليس على بني ءادم قال تعالى (قال ارئيتك هذا الذي كرمت علي لئن اخرتن الى يوم القيامة لاحتنك ذريته الا قليلا)
اذا يا ابن ءادم هل قدرت الله حق قدره بعد هذا التكريم والتعظيم لا انما عصيت ربك قال تعالى (فاكلا منها فبدت لهما سوءاتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وعصى ءادم ربه فغوى)
ونقضت العهد الذي بينك وبين ربك قال تعالى (ولقد عهدنا الى ءادم من قبل فنسي ولم نجد له عزما)
واخذتم الشيطان وليا وصدقتم به الذي اذله الله من اجلكم قال تعالى (واذ قلنا للملائكة اسجدوا لاءدم فسجدوا الا ابليس كان من الجن ففسق عن امر ربه افتتخذونه وذريته اولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا)
وقال تعالى (ولقد صدق عليهم ابليس ظنه فاتبعوه الا فريقا من المؤمنين)
وهل قدرت الله حق قدره يا ابن ءادم بعد ان اهبطك الله الى الارض بعد ان هيأ الله لك اسباب الحياة فيها من جميع انواعها ونعيمها لا انما قتلت يا ابن ءادم اخوك في صلب ابيك وبدأت تفسد الارض بالقتل والحسد والحقد والبغضاء قال تعالى (فطوعت له نفسه قتل اخيه فقتله فاصبح من الخاسرين)
وهل قدرت الله حق قدره بعد ما عمر لكم الارض وارسل لكم انبياءه لكم واصبحتم شعوبا وقبائل وانزل لكم شرائعه لتستقيم الحياة وتعبدون الله وحده لا انما عبدتم الاصنام قال تعالى (وقالوا لا تذرن ءالهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا) (قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا)
ويا ابن ءادم انت اول من بدأ الشرك بالله وعبادة الاصنام واضلتم انفسكم وخالفتم شرع الله قال تعالى (وقد اضلوا كثيرا ولا تزد الظالمين الا ضلالا)
وهل قدرت الله يا ابن ءادم حق قدره بعد ان وسع لكم الارض وارسل لكم الانبياء تترا واخرجكم من الظلمات وخلق من انفسكم نساءا وانعمكم بها ليكونوا ازواجا لكم
لا بل اتيتم من افحش الفواحش وارذلها وبدأتم اتيان الرجل بالرجل قال تعالى (إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم مسرفون)
وبعد ان نصحكم الانبياء ونهاكم عن هذا القبيح والفواحش استكبرتم وهددتم الرسل قال تعالى (فما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون)
وهل قدرتم الله بعد ان ارسل الله رسله لتستقيم الحياة وينشر فيها العدل والقسط
لا بل طففتم المكيال قال تعالى (ويا قوم اوفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس اشيائهم ولا تعثوا في الارض مفسدين)
ومع هذا ما اهتديت يا ابن ءادم بل بدأت العداوة والتهديد لرسل الله قال تعالى (قالوا يا شعيب ما نفقه كثيرا مما تقول وانا لنراك فينا ضعيفا ولولا رهطك لرجمناك وما انت علينا بعزيز)
هل قدر بني ءادم الله حق قدره بعد ان جاءهم المعجزات الكبرى الباهرات لا بل انما كانوا يسخرون على معجزات الله ويكذبون عليه قال تعالى (فقال لهم رسول الله ناقة الله وسقياها. فكذبوه فعقروها فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها ولا يخاف عقباها)
(فعقروا الناقة وعتوا عن امر ربهم وقالوا يا صالح ءاتنا بما تعدنا ان كنت من المرسلين)
وكذلك سخر قوم نوح على نبيهم بعد ان نصحهم قال تعالى (ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما فأخذهم الطوفان وهم ظالمون)
(ويصنع الفلك وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون)
وهل قدر بني ءادم الله حق قدره بعد ان ارسل الله لكل قوم نبيا ليخرجهم من الظلمات الى النور ويهديهم الى الصراط المستقيم لا انما كذب بني ءادم رسل الله واستهزئوا بهم وقتلوهم فال تعالى (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وهو العزيز الحكيم)
وكانوا يقتلون الانبياء بما لا يوافقوا اهواءهم الباطلة قال تعالى (لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل وأرسلنا إليهم رسلا كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقا كذبوا وفريقا يقتلون)
وهل قدر بني ءادم الله حق قدره بعد ما وسع لهم الدنيا وجعلهم ملوكا وءاتاهم من كل ما سألوا لا بل انما استكبروا وادعوا الالوهية قال تعالى (ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين)
وقال ايضا (فحشر فنادي فقال أنا ربكم الاعلي فأخذه الله نكال الآخرة والأولي إن في ذلك لعبرة لمن يخشي)
وقال الله تعالى في طغيان بني ءادم وكبره وجبروته بالملك قال تعالى (ونادى فرعون في قومه قال ياقوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون. أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين)
قال تعالى (وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَٰهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَىٰ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ)
هل قدر بني ءادم الله حق قدره بعد ما اغناهم ورزقهم الطيبات وءاتاهم الملك واحسن اليهم واخرجهم من الفقر والجوع قال تعالى (إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ ۖ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ)
ولم يقتصر بكبر بني ءادم وجبروته على الله الى هذا الحد بل قام بافساد الارض قال تعالى (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ)
بل انكر بني ءادم ان نعم الله ليس من الله انما من عندهم قال تعالى (قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِنْدِي ۚ أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا ۚ وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ)
هل قدر بني ءادم الله حق قدره بعد ان انزل اليهم الكتاب والحكمة واخرجهم من الظلمات الى النور وعلمهم واخرجهم من الجهل لا بل انما حرفوا كتب الله واشتروا به ثمنا قليل قال تعالى(ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون) (وإذا اخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون)
(أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون)
( من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ويقولون سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع وراعنا ليا بألسنتهم وطعنا في الدين ولو أنهم قالوا سمعنا وأطعنا واسمع وانظرنا لكان خيرا لهم وأقوم ولكن لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا )
هل قدر بني ءادم ملائكة الله الذين خلقهم الله وارسلهم اليهم الا من اجل لخدمة بني ءادم وان الملائكة لا يعصون الله قال تعالى (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون يا أيها الذين كفروا لا تعتذروا اليوم إنما تجزون ما كنتم تعملون)
فمنهم من كان ينزل الوحي على الانبياء ومنهم منهم خزائن الماء ومنهم من خزائن النار لا انما اتخذ بني ءادم ملائكة الله عدوا لهم قال تعالى (قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين)
(من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين)
وهكذا قد اكرم الله بني ءادم وفضله على جميع خلقه قال تعالى (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا)
وخلقهم احسن التقويم وسخر لهم كل شيء وجعلهم خليفة الارض وملوك الارض وءاتاهم من كل شيء ورزقهم العلم والعقل والحكمة وسخر لهم ما على الارض من بهيمة وانعام
وذلل لهم كل شيء قال تعالى (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ. وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ. وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلا يَشْكُرُونَ)
ولكن بني ءادم ما قدر الله حق قدره وما عبدوه حق عبادته ولم يشكروا له حق شكره.