Wednesday, 25 March 2015

فلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا


فلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا 
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم 
(وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا. وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) 
اعلم أيها الناشئ ان هذه وصية ربانية من الله على كل ناشئ وبعظم قدرها ورفعة اهميتها قرن الله بعبادته على احسان الوالدين وهذه الوصية تدل على ان البر الوالدين من اعظم القربات الى الله واجل الطاعات وقد قرن الله سبحانه وتعلى جل شأنه بشكره على شكر الوالدين فقال الامام القرطبي فاحق الناس بعد خالق المنان بالشكر والاحسان والالتزام البر والطاعة له والاذعان من قرن الله بعبادته وطاعته وشكره بشكر وهما الوالدان بقوله جل شأنه سبحانه وتعالى (ان اشكرلي ولوالديك) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (رضى الرب في رصى الوالدين وسخطه في سخط الوالدين) 
وليس الشكر فقط ان تردد لسانك انما الشكر الحقيقي ان يصدق جوارحك بشكر ما عبر على لسانك فتقوم بأداء حقوقهم بما اعترف اللسان من ثنائهم واعترافه بحقهم ومن هنا يبدأ دور الجوارح ان يؤدي طاعة وانقيادا بحقهم وهو التواضع لهما واكرامهما واجلالهما وتوقيرهما لان الله قرن بشكره على شكر الوالدين وجعل في مقام واحد(عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا لا يشكر الله من لا يشكر الناس) 
وحق الام اشد من الاب ومع ان كلاهما امر ربنا بالانقياد على طاعتهما وبرهما والاحترام لهما فهي التي حملتك وهن على وهن (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) اي ضعف على ضعف ومشقة من حمل الثقل لمدة تسعة اشهر وحين الولادة حين تضع الام حملها فهي في مشقة وينزف عرقها ويتصبب جبينها من العرق يتغير شكلها من الالم فهي في خوف فسبحان من بسر لها في هذه الحالة الحرجة فقال الله (ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ) اي يسر الله خروج الجنين من الرحم الى عالم الدنيا ففي وضع الحمل زفرات والم شديد وخوف لا يعلمها الا الله ومن ظن انه ادى حقوق الام مهما بلغ من طاعته لها وبره لها فوالله زفرة من زفراتها وانين من آناتها وآهاتها حين الوضع لا يعدل مما تقوم به كما قال ابن عمر رضي الله عنه لان الام تخوض معركة المخاض وهي بين الموت والحياة وبعد هذا التعب والجهد حين يخرج الجنين تنسى كل شيء بفرح وليدها وتكتحل عيونها بمُحياه وملامحه وبعد فراغها من الوضع وقبل ان ينتهي الالم ودون يتوقف النزيف ستنتقل الام الى  ارضاع ابنها ستجعل صدرها سقاء له وحجرها مهدا ووقاية له وحنان وحضنها دفئ له وبعد هذا تشرع الى حنان الامومة ورعاية رضيعها واعلم ايها المسلم ان الام لا ترضعك اللبن فقط انما ترضعك الحنان والمحبة والرحمة فكم من رضيع فقد امه قبل ان ترضعه ففقد حنان الامومة فعاش قي بؤس وشقاء فالام تسعدك لتشقي هي نفسها وتمتص منها من طاقتها الجسدية وقوتها فبعضهن بسبب الرضاعة تنقص طاقتهم وتضعف قوتهم ولا يقدرن ليؤدين من فريضة الصوم ولسببك انت ايها الناشئ تسقط عنهن هذه الفريضة من اجلك لسبب ضعفها وعدم قدرتها ان تؤدين حق هذه الفريضة فعليك ان تعتبر هذه الام التي افنت زهرة عمرها وريعانة شبابها وعانت من المعاناة لتوفرك الحياة الكريمة 
ومن هنا يبدأ دور الاب الذي ينفق النفس والنفيس من اجلك مهما بلغ قدرها لانك فلذة كبده وتلألأ وحهه حين يشروا به بولادتك ويقوم آناء الليل واطراف النهار ليسعدك ويجلب لك الراحة ويطعمك ويسقيك بجبين عرقه ويتحرى بالحلال لكل ما طاب ولذ ويشقي هو في ارضائك ويكافح ويكد ويبذل غاية جهده فيسعى اشد السعي ليرقيك في سمو ويجعلك المثل الاعلى لتكون نافعا في دنياك واخراك (يوصيكم الله في اولادكم) قال رسيول الله صلى الله عليه وسلم (كفى بالمرء إثما أن يضيع لمن يعول) ويقوم بتعليمك ويوجهك الى سبيل الرشاد ليؤدي واجبه الذي اوجبه الله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) وقد سماك ايها الناشئ هذا الاب احسن الاسم وينشئك نشأة اسلامية ايمانية فيها العبادة والاحترام  والخوف من الله واداء حقوق الله وحقوق العباد ونبي الله نوح اراد ان ينجي ابنه من الهلاك العقدي قبل هلاك العرق فقال (وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَىٰ نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلَا تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ) فقد قال من الكافرين ولم يقل من الغارقين لان هلاك الكفر اشد من هلاك الغريق ولقمان الحكيم كان يربي ابنه تربية صالحة من مولده الى ان كبر (وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) (يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ. يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ ۖ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُور. وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍوَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ ۚ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ)
وكان نبي الله صلى الله عليه وسلم يربي الاولاد من صغرهم (يَا غُلامُ سَمِّ اللَّهَ ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ) (يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ)
ولم يقتصر الوالد جهده في حياته فقط انما يجتهد ان تعيش في رخاء وسعادة بعد مماته ويترك لك تركة ولا يحب ان تكون عالة بين الناس ولا ان تمد يدك للناس قال تعالى (وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ ۚ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ۚ ذَٰلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (حدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان عن سعد بن إبراهيم عن عامر بن سعد عن سعد بن أبي وقاص رضى الله تعالى عنه قال جاء النبي صلى الله عليه وسلم يعودني وأنا بمكة وهو يكره أن يموت بالأرض التي هاجر منها قال يرحم الله بن عفراء قلت يا رسول الله أوصي بمالي كله قال لا قلت فالشطر قال لا قلت الثلث قال فالثلث والثلث كثير إنك أن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس في أيديهم وإنك مهما أنفقت من نفقة فإنها صدقة حتى اللقمة التي ترفعها إلى في امرأتك وعسى الله أن يرفعك فينتفع بك ناس ويضر بك آخرون ولم يكن له يومئذ إلا ابنة) رفع الله سبحانه وتعالى شأن الوالدين في مستوى احسانهم الى ان قرن الله بعبادته ومن عظم احسانهما حرم الله الشرك ومباشرة قرن الله الاحسان بالوالدين فهذا يدل الى عظم شأنهم واحسانهم ومنع ان تقول لهما اقل كلمة يمتقها المرء فهي كلمة اف ومع انها هذه الكلمة كلا منا لا يبالي من قلة قدرها ولكن الله منع منك ان تقول لوالديك ومنع منك ايضا ان تبغضهما وتنهرهما والا يصدر منك فعل القبيح والاسائة لهم وامرك ان تقول لهما قولا كريما وان تختار لهما حين المخاطبة لهم كلمات والفاظ محترمة تدخل السرور في قلوبهم والبهجة والاحترام وتوقرهم بارقى التوقير والتعظيم والاحترام وفي حالة الكبر والضعف وصاروا ضعفاء حين اشتعل رأسهم ووهن عظمهم وتغير الحال واصبحوا كما كنت في ضغرك (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ) فلا بد ان تجازيهم خير الجزاء (هل جزاء الاحسان الا الاحسان) وان تتذكر حين كنت ضعيفا لا حول لك ولا قوة وان تذل نفسك بين يديهم حين كبرهم وضعفهم وتقوم بخدمتهم وتذل نفسك امامهم وتقرهم وترفع شأنهم مهما كانت الخدمة (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) لعل الانسان يتذلل بين الامراء والرؤساء والحكام والاغنياء فهل الوالد اقل درجة من هؤلاء فالذلة هنا ليست ذلة النفس والكرامة والعزة انما هي الجزاء بالاحسان ومن المعلوم لكل من قرض دينا فلا بد من قضاء هذا الدين فالذلة هنا ذلة تواضع لا مهانة وهو العز بذاته وابتغاء الاجر من الله لانهم تذللوا في صغرك فلا بد الجزاء بالمثل ورد المعروف فان تذللت لهما فانك لا تؤدي حقهما مهما بلغت من التذلل فان الله يجزي لهما من ثواب وحسن مئاب
ولا يقف الشكر ولا ينتهي عند حد فيما يتعلق في حق الوالدين مهما بلعت من ارضائهما ومهما بلغت ان تقوم بكل احتياجاتهم فلا بد لخفض الجناح لهما
فمهما رأيت في نفسك تعجبا وعلوا ورفعة وبلغت في كمال القوة والعلم واستغناءا فاعلم ان كل هذا الفضل يرجع الى والديك لانهما اصل النعمة التي تتنعم بها فاحمد الله  واشكره على نعمه وكذلك الشكر لهما
اقول لمن بقي في قلبه حياءا وايمانا يامن انغمس في نكران المعروف ولا يرد الجميل ولا يجازي الجزاء بالاحسان ان تذكر بحقهما فلعل النفس تصلح ما قصرت فيه ولعل الضمير الميت يكون له زجرا وردعا ولعل القلوب القاسية ناكرة الحق والمعروف تلين ولعل النفس المريضة بمرض الكبر والاستعلاء تمرغ انفها على التراب حين ترى ضعف الوالدين
واذا بلغ الانسان في كمال العقل واشتدت قوته الجسدية والعلمية والفكرية وتزوج ورزقه الله الاولاد بدأ يستوعب مشقة سعي الرزق ويشعر تكاليف المرأة والاولاد ومشقة طلب الرزق ومعاناته فيطلب من الله ان يلهمه الشكر عليه وعلى والديه ومن هنا يدعوا لوالديه على ظهر الغيب (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) وهذا الدعاء والابتهال ينتفع بها الوالدان سواء في محياهم ومماتهم لان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (اذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) ويدعوا ايضا لذريته ان يصلح الله لهم وينجيهم من الفتن والفساد والزيغ والضلال لان الدعاء الوالد مستجاب (ثَلاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ ، لا يُشَكُّ فِيهِنَّ : دَعْوَةُ الْوَالِدِ ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ) ويردف بعد ذلك ويختم بدعاء نفسه ويطلب من الله ان يوفقه العمل الصالح ويطلب من الله العون ان يرضى منه (قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي ۖ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ
وبر الوالدين لا يتوقف حتى بعد مماتهما قال رسول الله (إن أبر البر أن يصل الرجل ود أبيه) فعليه ان يكرم اصدقائهما واحبائهما وايضا تنفيذ وقضاء ما تعاهدا الوالدين عليه من الناس في حياتهما ولم يتمكنا من الوفاء وادائه وكذلك ايضا القضاء ما عليهم من الدين وصلة رحمهم وانفاذ وصيتهما ان كان فيه صلاح وخير ولا يتعارض شرع الله وسئل رسول الله عن بر الوالدين بعد مماتهما (بينا نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل من بني سلمة فقال : يا رسول الله ، هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما؟ فقال نعم ، الصلاة عليهما ، والاستغفار لهما ، وإنقاذ عهدهما من بعدهما ، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما ، وإكرام صديقهما)
فلا بد قضاء الدين مقدم عن كل شيء قبل دفنهما قال رسول الله (نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه) فهذا من اوائل ما يقوم به في سداده وباجتهاد قضاء دينهما الا يكونا في عنقهما دين لان هذا من حقوق العباد ولان الله يغفر ويسامح ويتجاوز في حقه ولكن احقوق العباد فلا بد في ادائه وقضائه لان هذا في عنق المدين يقول الله (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ۚ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا) ويقول ايضا جل شأنه (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ ۗ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ ۚ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم (من مات وعليه دين فليس ثم دينار ولا درهم ولكنها الحسنات والسيئات) ويقول ايضا صلى الله عليه وسلم (والذي نفسي بيده لو أن رجلاً قتل في سبيل الله ثم أحيي ثم قتل ثم أحيي ثم قتل وعليه دين ما دخل الجنة حتى يقضى عنه دينه

Wednesday, 11 March 2015

وعاشروهن بالمعروف


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم 
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا 
فلا بد للزوج ان يختار البذرة الصالحة أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ ليكون لها ارضا خصبا تنبت له الذرية الصالحة الودود الولود فلا يهتم الجمال ولا المال ولا التفاخر بالقبلية انما يختارها بذات الدين فالدين اولى من الجمال والمال والجاه لأن كل هذا لا يربي الذرية الصالحة وكم جميلة فرقت وشتت بين الأسرة وشملها وفسدت فيما بينهم واوقعت فيما بينهم العداوة والبغضاء والمآسي وعاشوا في بؤس وشقاء بين الأهل والعشيرة وكم من قبيحة ذميمة الشكل عززت إسم الأسرة ورفعت شأنهم وجمعت فيما بينهم فخلفت اجيالا صالحة وملأت البيت نورا وكرامة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ : لِمَالِهَا ، وَلِحَسَبِهَا ، وَلِجَمَالِهَا ، وَلِدِينِهَا ، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ)   
ان الزواج هو نواة هذا المجتمع فان فسد عشرة الزواج والمعاملة بين الزوجين فسد هذا المجتمع وان صلح الزواج صلح المجتمع وقد امر الله نبي الله ءادم ان يسكن مع زوجته قل تعالى (وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ) والسكن هو الهدوء والإستقرار والمحبة بين الزوجين وسكون القلب والنفس وطمأنينة البال والمودة والرحمة بين الزوجين وحسن المعاملة وتبادل الألفة والإستئناس وسكون الضمير ولا بد التبادل بين الطرفين العشرة الحسنة وطيب القول والتكريم بين الطرفين والتقدير كل منهم بقدر الإستطاع فيما بينهما ومن المعاشرة الحسنة ان يحافظ الزوج كرامة زوجته وعزتها وشرفها ودينها وعفتها وخلقها وان يراعي سلوكها ويوجهها الى الخير خيري الدنيا والأخرة وان يحفظها من الاعوجاج والإنحراف ومما يغضب الله به لأن الله امره ذلك فهو مسئول عنها فلم يؤمر الله الزوج ان يطعم الزوجة ويكسيها فقط انما امره الله ان ينجيها من مهالك الفتن ويعرفها ربها ويحافظ دينها واما اذا استمتع بها في انوثتها وتلذذ في عسيلتها وتركها واهملها فهذه خيانة الزوجية والعشرة وهذه تعتبر استمتاع بهيمية وشهوانية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(رحم الله رجلا قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته فصلت فإن أبت ‏ ‏نضح ‏ ‏في وجهها الماء رحم الله امرأة قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها فإن أبى ‏ ‏نضحت ‏ ‏في وجهه الماء) فالنساء للرجال خلقن ولهن خلقن للرجال. 
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قالت:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنَّمَا النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجالِ
فالزوج عليه ان يكرم زوجته ولا يقبح لها الوجه لزوجته ولا يكشر وجهه إياها وان يعيش معها في عزة وكرامة ولا يتعامل معها فيما ينكر الشرع وعرف الناس والقيم والأخلاق الحميدة ولا ينسى المروءة والفضل وان ينبسط لها ويمازحها ويمرح معها بالفرح والسرور وان يراعي الحقوق المشترك فيما بينهم قال صلى الله عليه وسلم (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يُؤْذِي جَارَهُ، وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا، فَإِنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا) (اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله)
فلما قضى الله وقدر ان الذكر ليس كالأنثى فهذا ليس معناه انهن اقل درجة من الرجال انما هذا من حيث الخلقة البدنية والأداء والعمل الشاق فقط اما من حيث الحقوق فهم سواء ولا فرق بينهما فهما يشتركان في عمارة هذا الكون واداء حقوق الله كل على حسب بما امر الله لهم فمعروف في خلقة الذكورية والهيئة التي خلقهم الله القوة والشدة والتحمل والصلابة واما الخلقة الأنوثة ففيها من النقص والضعف وهذه جبلة من الله وليس يعتبر نقصا من حيث الحقوق قليس من حق الزوج ان يهضم ويبتلع ويغتصب حقوق المرأة ويذلها ويهينها كما يستدلون بعض الجهل انهن ليس كالرجال (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى(الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ۚ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا)
فهذا خطأ فليست القوامة الإستذلال والإهانة فقد اوجب الله كلا منهما احكام في المهمات التي تلائم كلا منهما في خلقته وهيئته وقدرته وخصص كل منهم في اداء دوره في هذه الحياة فكل يؤدي بما اوجب الله عليه فالزوج قيم بأداء ادارة البيت من حيث النفقة والتكاليف والزوجة قيمة بأداء ادارة البيت من حيث تربية الأولاد والرعاية والحنان فكلا منهما يتنوبان ويتقاسمان بما اوجبهم الله حتى يؤديان هذه المهمة المقدسة فالزوجة هي المسئولة تربية الأبناء قال الشاعر:
الأم مــدرسـة إذا أعــددتـهـــا       أعـددت شعبا طيب الأعــراق
الأم روض إن تعهــده الحيـــا    بالـــريّ أورق أيمـــا إيــــراق
الأم أستــاذ الأساتــذة الألــــى     شغلت مآثرهم مدى الآفـــــاق
أنا لا أقول دعوا النساء سوافراً   بين الرجال يجلن في الأسواق
يدرجن حيث أرَدن لا من وازع   يحـذرن رقبتـه ولا مـن واقـــي
يفعلـــن أفعال الرجــال لواهيــــا   عن واجبات نواعـس الأحـــداق
في دورهــن شؤونهــن كثيــــرة    كشؤون رب السيف والمــزراق
تتشكّل الأزمـــان فــي أدوارهـــا    دولاً وهن على الجمـود بواقـــي
فتوسطـوا في الحالتين وأنصفــوا    فالشـرّ فـي التّقييــد والإطــــلاق
ربوا البنات على الفضيلــة إنهـــا    فـي الموقفيـن لهـنّ خيـر وثـــاق
وعليكمُ أن تستبيــن بناتكـم نـــور    الهــدى وعلـى الحيــاء البـــاقي
واما في حالة خروج المرأة طاعة زوجها فلا بد للزوج ان يسلك الطريقة التي امر الله بها فيبدأ بالوعظ دون زجر ولا شتم ولا سب ولا ان يجرح شرفها وكرامتها ولا يخدش عزتها ولا ان يعيبها ويعيرها وعليه ان يرشدها ويوجهها الى طريق الحق وينصحها ويذكرها لأن التذكرة زاد العاقل ومعونة الغافل (وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين) والحياة الزوجية مبنية على اسس المحبة والالفة وعدم المحاسبة فهي علاقة قائمة على المعاشرة بالمعروف ولا بد للزوج ان يراعي بما امره الله فإذا الزوجة لم تستنصح على الوعظ فلا بد للزوج ان ينتقل الى مرحلة الهجر في المضاجع ولا يفارق البيت ولا يهملها ولا يبتعد عنها ولا يغيب عنها ولا يهاجرها بسوء خلق وغضب وعناد لأن الفراش هو من الواجبات الزوجية انما الهجر في المضاجع فقط يشاركون في المضجع ولكن يولي ظهره إياها حتى تحس الوحشة وتدرك خطأها فهذا الهجر ليس معناه تعذيبا ولا احتقارا ولا اهانة انما هي ان تحس الزوجة الفراق والوحشة حتى ترجع الى صوابها فهذا عقاب حسي وليس غياب جسدي او نفسي لأن المرأة في هيأتها تحب الإسئتاس والحوار والنقاش فاذا فقدت كل هذا لعلها ترجع الى صوابها وهذا الهجر يعتبر اكبر صراع بغير سلاح ولا رفع اليد للزوجة وهي عقوبة نفسية بالغة الاهمية من دون وقوع اذى فان الزوجة تحس فوات السرور ومتعة العشرة وزوال الحنان واهتمامها وهذا يؤلمها الما شديدا اشد الم الضرب بالسوط والعصى فهو ضرب من ضروب التأديب والانصياع الى الصواب فان هذا يعتبر كأن نور البيت انطفأ وتحس الظلام الدامس والجفوة والقطيعة المؤقتة وفقدان الأنس لان الانسان اصله يحب الاستئناس فهذا من جبلة الله في الخلق فالاعراض عن الفراش والمضاجع فهو من اشد وابلغ العقوبة النفسية فالزوجة تحس ضعفها الى جانب زوجها لانها فقدت من يمازحها ويدللها وهذا ليس له عوض فكل شيء يعوض الا الالم النفسي وعدم المبالاه ليس له عوض فكانها تحس قد نزل عليها هاجس نفسي فان لم تستنصح الزوجة بالهجر فعلى الزوج ان يضربها ولا يضربها ضربا مبرحا فيه العداوة والقساوة والغضب انما هو ضرب خفيف لكي تحس بخطئها وسوء معاملتها مع بعلها وليس ضرب اهانة هو ضرب خفيف لكي تستقيم الى صوابها حتى تدرك انها لا تؤدي حقوق زوجها وهذا الضرب ليس كل النساء انما هي المرأة التي هي مبلدة الحس وسيئة العشرة والخلق وكريهة الطبع فهذه هي التي تستحق الضرب فليس كلهن  (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضرب أحدكم امرأته كما يضرب العبد، ثم يجامعها في آخر اليوم) وان يحل الزوج المشكلة تدريجا كما امر الله به (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً)
وان يصلح بيته بالعقل والحكمة وان لا يتسرع لأنه هو صاحب المسئولية ويعتبر الزوج هو محور قيادة الأسرة وهو الذي يدير امورالبيت خارجه وداخله وان لا يتحاسب معها بكل الخلافات جلها وقليلها انما ينبغي ان يكون هناك تنازل وتسامح وعدم الضغظ لأن الضغظ يولد النشوز والتباعد والتباغض والنفور وان يحفظ بيته من التفكيك والدمار قال تعلى (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته الإمام راع ومسئول عن رعيته والرجل راع في أهله وهو مسئول عن رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها والخادم راع في مال سيده ومسئول عن رعيته قال وحسبت أن قد قال والرجل راع في مال أبيه ومسئول عن رعيته وكلكم راع ومسئول عن رعيته)
فإن كرهها في خلق لعل الله انعمها واكرمها في خلق ءاخر وليس من بني ءادم فيه من جمع خصال الخير كله فكلنا مخطىء ومصيب ويعترينا النقص وهذا سنة الله في خلقه لأن الكمال لله قال تعالى (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) 
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن كره منها خلقاً رضي منها خلقاً آخر) ومع ان الانسان مكرم عند الله مهما كان خطأه ونقصه قال تعالى (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَم وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرّ وَالْبَحْر وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَات وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِير مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا)
ومع ان النساء قاصرات فلا بد للزوج ان يصبر عليهن وان يتقي الله فيهن فإنهن قاصرات في العقول وقاصرات في الدين وهذه جبلة من الله وليس العيب فيهن ولا يمكن لأحد ان يجد إمرأة جمعت الكمال مهما بلغت من العلم والمعرفة قال تعالى (أومن ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين)
فهذا نقص جبلي فالمرأة يعتريها الحيض والنفاس فهي تتوقف من العبادة في اثناء هذه المدة العبادة الشرعية فهذا امر من الله وليس تهاون او افراط منها لان الله يعبد بالطهر فكم من امرأة اكثر تقربا وتعبدا من الرجال واكثر استقامة واداء واجبات الله
واما نقصان العقل فليس من قلة الرجاحة والذكاء والفطانة انما هي من علة النسيان قال تعالى(فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا) فهذا بما اراد الله بخلقتها فهل تعيب الخالق ام تعيب المخلوق فالخالق لا يسأل عما يفعل (لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ) هكذا اراد الله فلا راد لقضائه فهذا لا يعتبر ولا يلزم ان تكون المرأة دون الرجال. 
ولا بد ان يعلم الزوج ان الزوجة امانة في عنقه ومسئول عنها وليس من حقه ان يضيع هذه الأمانة ويؤديها كما امر الله بها وقد عقد معها ميثاقا غليظا قال تعالى (وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا) 
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (اتقوا الله في النساء ، فإنهن عوان عندكم ، أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف) 
وفي مرحلة التي تليها فلا بد ان ينتقل الى مرحلة الحكمين ليصلحا بينهما ان يريدا اصلاحا (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً 
فلا بد الحكمين ان يكونا من اهله ومن اهلها عادلين لأنهم مؤتمنون في اقامة العدل بينهم ولا بد للحكمين عندهم دراية في عادات الاهل والتقاليد وبما يناسب في حالهما فلا بد ان يكونا هذين الحكمين من اهل العدل وحسن النظر والبصر ويعلمان من امور الفقه والدين وشرائع احكام المرأة والزوج وان عرفا من هو الظالم والمخطىء في هذه الحالة يؤخذ الحق من الظالم ويعطي لصاحبه وان يصلحا فيما بينهما وازالة الضرر والمشكلة وان اصطلحا الزوجين بما يرضي الله فلله الحمد وان لم يرضيا بالصلح وتفاخم امرهما فعلى الحكمين ان يفرقا بينهما فهذه هي ءاخر جرعة لان لا بد من تحكيم فيما بينهم واصلاح فيما بينهم حتى لا يقعا على الظلم والوزر وكل واحد ان يخرج سالما من دون اذى الغير اما ان يكون الفرقة ان يرعوي كل واحد منهما او اصلاح حالهما وعلى الحكمين ان يجتهدا الى اقصى الحد ان يجمعا بينهما لان الاسلام يجمع ولا يفرق ويصلح ولا يفسد ومع ان ديننا لا يدعو الى دوامة الكراهية بين الزوجين ولا الى ان يحطم قواعد الاسرة والله سبحانه وتعلى في اشد العناية الحياة الزوجية لان الله ذكر في الآية الكريمة التوفيق بين الزوجين ولم يذكر التفريق وعلى الحكمين ان يفعلا ما هو المصلحة على الحال الراهنة فيما بين الطرفين من صلح او طلاق لان الحكمين هما الناظران بين الزوجين والمانعان من التعدي والظلم وفساد البيت 
وعلى الزوجة الصالحة التقية العفيفة التي تخاف ربها وتؤدي حقوق ربها ولا تتعدى حدود الله ان تطيع زوجها ولا تخالف امره ولا تناشزه فان نشوزها يترتب احكاما وعقوبات عليها وفي حالة نشوز الزوجة يسقط الزوج عليه نفقتها وسكنها ولباسها فانها خرجت الطاعة طاعة ربها وطاعة زوجها ولان عصيان الزوجة لزوجها يعتبر من الكبائر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وحفظت فرجها وأطاعت زوجها قيل لها ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت) فعليها ان تعاشر زوجها كما امر الله وان تطيع فيما نهاها وبما امرها وعدم الإذن لمن يكره الزوج الا تسمح وتدخل بيته قال رسول الله (لا يحل لامرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه , ولا تأذن فى بيته إلا بإذنه) وليس من حقها ان تمتنع زوجها اذا دعاها في الفراش فهذا من اكبر الكبائر الا بعذر شرعي من حيض او نفاس او مرض يؤذي الجماع لان امتناعها لزوجها يؤدي الى وقوع الزنى والفواحش على الزوج قال رسول الله          
إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فلم تأته فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح)
ومن الطاعة الزوجة لزوجها ايضا الا تخرج بغير اذنه سواء كان خروج سفر او خروج حاجة غير سفر
وعليها الا تعاشر زوجها سوء المعاشرة والا تؤذي الزوج والتسليط بلسانها من شتم ورفع الصوت عنه واغضا به وهذا يعتبر اتيان الفاحشة قال تعلى (وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تؤذي امرأة زوجها في الدنيا إلا قالت زوجته من الحور العين : لا تؤذيه قاتلك الله ، فإنما هو دخيل عندك يوشك أن يفارقك إلينا) وان لا تستعلى على زوجها وتقصر حقوقه وهذا يعتبر قلة الاحترام وعدم اداء الحقوق والواجبات وعدم التقدير بمكانة الزوج والتجاهل عن حقوقه والاحتقار وعدم الاهتمام به واذا كانت المرأة متفوقة عن شيء من زوجها مثلا من جمال او مال او الحسب والنسب فلا تفتخر به فهذا يؤدي الى اهانة الزوج وعدم اهتمامه والتعلي عليه وان لا تمن على الزوج بما انفقت في بيتها وان لا تهمل نفسها بحضرة زوجها وافراطها في الاهتمام بنفسها وعدم التجمل له والتزين والتعطر وحين خروجها من البيت تبدي زينتها لغير زوجها فهذا ظلم وعدم الخوف من الله والتجرؤ بمخالفة امر الله وهذا مما يحصل كثيرا في الحفلات والدعوات العرسية وهذا شنار وعار على المرأة المسلمة ان كانت تؤمن بالله ورسوله
والحياة الزوجية مبنية على اسس المحبة والألفة والتقدير وعدم المحاسبة فهي علاقة مبنية على الاحترام وقائمة على المعاشرة بالمعروف والنصيحة والصبر بين الطرفين والاهتمام كل من الاخر فان اصبحت العلاقة غيرقابلة للاستمرار وعدم الاحترام وعدم الاهتمام بالحقوق وشرع الله فحينئذن تنتقل الى تسريح بالمعروف بدلا من ما يعيشون بالكراهية والخلاق الدائم والخصومات التي لا حصر لها فان استحالت العلاقة بينهما ونفذ الصبر فلا تريد الزوج ان تبقى في عصمته في هذه الحالة لم يبق الا الخيار الاخير وهو تسريحها باحسان وهذة هي الجرعة الاخيرة بعد كل المحاولات الذي امر الله بها ولعل الله ان يجعل الفراق بينهما خيرا كثيرا (وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا) والطلاق في هذه الحالة هوالسبيل الانجح والافضل لان الاستمرارية بالخلاف والخصومة يولد فيه العداوة والبغضاء وعدم حرمة احكام الله فكلا يتصرف بما يعجبه فلا حد يحده فلا حرمة بينهما ولا المحبة والاحترام واداء حقوق الطرفين فلا بد للزوج ان يتعامل معها بما امر الله به ويطلقها بالتي هي احسن من غير شقاق ولا مخاصمة ولا يظلمها عند المفارقة بحقوقها ولا يمسكها ضرارا ليتعدي عليها فاعلم ايها الزوج ان فعلت هذا فانك تظلم نفسك قال تعلى (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ۚ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِّتَعْتَدُوا ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ۚ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) وقد نصحك الله ايها الزوج الا تظلم نفسك وهذه نصيحة من الله لك فلا بد بالاعتبار بها فلا تظن انك تظلمها انما تظلم نفسك بسياق الاية الكريمة لان المراوغة في الطلاق والمماطلة فيه يعتبر من الظلم ان قصد بها الزوج حبسها او تطويل وتمديد مدة الفراق بينهما لتتعذب الزوجة فهذا لا يجوز فلا استهزاء بآيات الله ولا تعدي فلا بد الحفظ لحدود الله والحوف من الله لان الزواج ميثاق غليظ بينك وبين ربك فلا بد الاحترام بميثاق الله فليس من حقه الخروج عن حد المعروف ولا اتيان مانهى الله عنه حتى لا يتعرض من عذاب الله (الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ ۖ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ۗ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَن يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ۗ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا ۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)
ربما الطلاق في بعض الحالات يصير ضرورة لا مفر لها اذا وصلت العشرة في حالة مستعصية واستنفدت كل الوسائل المفضية الى حل وعجز الزوج عن الوعظ والهجر والضرب فاصبحوا فيما بينهما تنافر وتخاصم فلا بد لتحقيق الخير والاستقرار والخلاص من رابطة الزواج لانها اصبحت لا تحقق المقصوط واستحالت البقاء فيما بينهما وحينئذ يجب الفراق حتى لا تتفاخم الامور حتى لا يحصل الى مشكلة لا يحمد عقباه لان قاعدة الدين تقول (لا ضرر ولا ضرار) ولا بد التخلص من المفاسد والشرور ويستبدل كلا منهما الى حياة آخر افضل مما هم فيه لان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ان الزوج متاع الدنيا وليس من المعقول والمنطق الصائب ان نحول هذه المتعة الى نقمة والعياذ بالله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة)
اذا وقع الطلاق وانتهت الصلة فيما بينهم فلا بد حسن المعاملة بعد الطلاق فلا ينسوا الفضل الذي كان بينهم من قبل والعشرة الحسنة التي عاشوا من قبل فليس الطلاق معناه القطيعة فيما بينهما لان الخلاف والانفصال والتباعد وعدم الاتفاق بين الناس فهذا ليس عيبا فهي من ستة الله من خلقه يقول الله سبحانه وتعالى(وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِين. إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ۚ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ ۗ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ)
فلا يجوز الطرفين ان بتحدثا وان يفشيا اسرار الحياة الزوجية للناس بعد الفراق فهذا قلة الادب وعدم المراعات الكرم والشهامة والمروءة لان الحر يتعفف عن هذا الفعل الشنيع الذي يقوم به ناقص الدين والخلق ومنع رسول الله عن ذلك قال رسول الله (ثلاثة قد حرم الله تبارك وتعالى عليهم الجنة: مدمن الخمر، والعاق، والديوث الذي يقر في أهله الخبث) (إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها