Wednesday, 15 April 2015

ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم
أولا باديء البدء وقبل كل شيء لا بد ان نعرف من هو القرين هو اعلي طبقة من الجن والشياطين واشدها مكرا وخدعة واضلالا وشرسا في الاضلال فهو خبيث وماكر فهذا الخبيث وُكّل في وسوسة المسلم وايحائه في اللبس والاحباط في فعل الخيرات ليزعزع ايمان المسلم حتى يسيطره ويأمره. يغوي ابليس على بني آدم جميعهم بلا استثناء ويأتي بهم من كل الجهات وبشتى الوسائل فلا ينجوا منه احدا على اغوائه وَيَتَلَوَّن بشتى الوان كالحرباء تارة يأتيك على صورة بني آدم وتارة يأتيك بصورة شيطانية حقيقية وتارة يأتيك بصورة الجن (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ.إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ)
 ولكن بحمد الله ونعمته ورحمته لعباده لا يتعدي اضلاله وخدعته سوي الوسوسة والاغواء والتزيين والاستمالة الي الشر والشرك وقيام الاعمال الفاحشة والفجور والعياذ بالله وارتكاب المعاصي وتزين الكبائر فهو لا يفارق الانسان من يوم مولده الي يوم مماته يلازمه ملازمة دائمة في حياته فلا يفارقه في اي موطن ولا اي لحظة فلا يدع فرصة الا ان يوقع علي قرينه في الصغيرة والكبيرة فهو يرافق من هو قوي الايمان وضعيف الايمان (وعن عائشة رضي الله عنها قالت : شكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يجدون من الوسوسة ، وقالوا : يا رسول الله ، إنا لنجد شيئاً ؛ لو أن أحدنا خرّ من السماء كان أحب إليه من أن يتكلم به ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ذاك محضُ الإيمان) فللّه الحمد هو ليس له علينا سلطان وبخاصة ذوي الايمان القوية انما يغوي ويضل من ذوي ضعفاء الايمان وهو عليهم سلطان ويأمرهم عن الفواحش وينهاهم عن المعروف وفعل الخيرات (إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون. إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون) فليس في قدرة الشيطان ان يجبر المؤمن على عصيان ربه فهو لا يتعدى الا الوسوس ولما كلف الله عباده بالعبادة والطاعة فهي مبنية في اختيار المؤمن الخير والشر وليس للشيطان له قدرة الاجبار على العباد ترك فعل العبادة انما امره كله الوسوسة والاغواء والتزيين فالعباد ينقسمان الى قسمين قسم يستجيب داعي الشيطان بلا اجبار من الشيطان وقسم آخر يقوي ايمانه فيستجيب داعي الله فهذا اقر الشيطان بلسانه انه ليس له سلطان على العباد (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ۖ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ۖ فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنفُسَكُم ۖ مَّا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُم بِمُصْرِخِيَّ ۖ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ ۗ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) انما هي مجرد دعوة زائفة غوائية واضلالية وتلبيس الباطل على صورة حق فان اراد العبد الى طريق الحق والخير فهو في اختياره الحر وليس للشيطان سلطة في اجبارهم في الاعمال السيئة والمعاصي (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ ۚ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ وَكِيلًا) ومن لم يتسلح ضد الشيطان بسلاح الاستعاذ بالله والقرب الى الله والانصياع باوامر الله فلا يلوم الشيطان انما الواجب ان يلوم بغفلته وتقصيره في جنب الله واستجابته بنزغات الشيطان وتزيينه فان فعل العبد المحرمات والنواهي وترك العبادة ففر من الله فهذا لا يعتبر من تسليط الشيطان عن طريق  الاجبار على العباد لان الله صرح ذلك (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ) وكذلك صرح الشيطان على ذلك (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ. إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) اذًا فقد تبين فعله بهذه الاية انها سلطة غوائية فقط وليست سلطة اجبارية ولو التجأ العبد الى ربه في دفع مغريات الشيطان فابتعد عن الشيطان ولم يتبع خطواته فلا يقدر الشيطان ان يتسلط على العبد ولكن اذا استسلم العبد للشيطان واجاب اوامره فحينئذ يسلط الله على العبد للشيطان فهذا عقوبة من الله للعبد لانه خالف اوامر ربه (وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ) (وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ ۖ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ) فهذا مصير من استسلم للشيطان وسلم امره لهم فتكون بينهم صلة دائمة وتوافق يمنعونهم من فعل الخيرات والطاعات ويأمرونهم بالمعاصي فغلبهم الشيطان يتصرف لهم كيف ما شاء وحين ما شاء وبما شاء لهم فهذا يدل على ان الشيطان اجبرهم على المعاصي والبعد عن الله انما هذا يعتبر انهم ابتعدوا عن الله واسلموا انفسهم للشياطين فان هذا هو الذي انسلخ عن الدين وآيات الله وعبادة الله بحرية واختيار واتبع هواه وليس الشيطان هو الذي يجبره        
 وهؤلاء القرناء ينقسمون الي اقسام متعددة فمنهم من الجن العاصي ومنهم الشياطين الماردين ومن الشياطين ينقسمون الي اقسام فطائفة موكلون في وسوسة والسهو عن الصلاة فهؤلاء سماهم رسول الله الخنزب  عن أنس: أن عثمان بن أبي العاص أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي يلبسها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( ذاك الشيطان يقال له خنزب فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه واتفل عن يسارك ثلاثا)) قال : ففعلت ذلك فأذهبه الله عني وطائفة اخري موكلون للوضوء والاسراف بالماء والشك باتمام الوضوء وعدد غسل الاعضاء وتشكيك نقض الوضوء فهذا يسمي الولهان عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : إِنَّ لِلْوُضُوءِ شَيْطَانًا يُقَالُ لَهُ : وَلَهَانُ ، فَاتَّقُوا وَسْوَاسَ الْمَاءِ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ فِي بَطْنِهِ شَيْئًا فَأَشْكَلَ عَلَيْهِ أَخَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ أَمْ لَا فَلَا يَخْرُجَنَّ مِنْ الْمَسْجِدِ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا  وطائفة اخري موكلون في تفريق بين الزوجين ويوقع بينهم العداوة والبغضاء والكره وسوء العشرة واستحالة العيش فيما بينهم فهذا الذي يتوجه ابليس التاج  (قال صلى الله عليه واله وسلم : (إن إبليس يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة يجيء أحدهم فيقول : فعلت كذا و كذا فيقول : ما صنعت شيئا و يجيء أحدهم فيقول : ما تركته حتى فرقت بينه و بين أهله فيدنيه منه و يقول : نعم أنت).  (فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَالْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ)
وطائفة اخري موكلون في الاسواق ورفع الصوت والحلف علي السلعة بالكذب والغش والخيانة واخذ مال الناس بالباطل (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تكونن إن استطعت أول من يدخل السوق ولا آخر من يخرج منها فإنها معركة الشيطان وبها ينصب رايته)
فقد نهي رسول الله صلي الله عليه وسلم الحلف بالسلعة علي الكذب قالالنبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة , ولا ينظر إليهم , ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم ) قال : فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرار , وقال أبو ذر : خابوا وخسروا , من هم يا رسول الله ؟ قال : (المسبل , والمنان , والمنفق سلعته بالحلف الكاذب)
وطائفة اخري هو القرين اللعين الموكل والمسلط للانسان وهذا القرين دائما يشغل الانسان ويلهيه وينسيه ذكر الله بهواجس شتى اذا اراد الانسان بقيام عبادة او طاعة لله او فعل خير او انكار منكر ويبدأ يحدث معه حديث النفس لم تفعل هذا فماذا تستفيذ من فعل هذا لم تلقي نفسك الي التهلكة هل انت ضامن علي الناس والعباد هل انت صادق في فعلتك هل هناك جنة اونار هل غيرك يفعل هذا واكثر من ذلك وان افاق العبد من غيبوبية حديث النفس وانتبه  وقام وعمل العمل الصالح لم يتركه القرين بل يحول بينه وبين هذا الفعل باعراض شتى منها الشعور بالتعب والكسل والخمول والتشغل باشياء اخرى والتثاؤب والنعاس وان كان في صلاة يشغل صلاته اما ان يسرح العبد ويكون خارج الصلاة فلا يدري العبد كم ركعة صلي او عن طريق المرائاه فيبدأ العبد يترائي بين الناس فهذا شرك مع الله فالقرين هو ابتلاء من الله للعباد ان يختبر الله عباده ان كانوا صادقين بربهم بالعبودية والتسليم او عبدا لغيره وان اتبع العبد الشهوات واستسلم للقرين وابتعد عن الله فقد اكتشف امره انه ليس عبدا لله فاصبح من الغاوين ومن هنا يبدأ القرين ان يخرجه من منهج الله (إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون)
والقرين هو جنود ابليس واعوانه فلا يقتصر دوره بوسوسة العبادة والامر بالشر والفحشاء فقط انما عنده اساليب اخرى شديدة التعقيد وفي بعض الاحيان يخوفك على الفقر والفاقة وفي نفس الوقت يأمرك بالفحشاء وفي هذا يقوم هذا اللعين في مهمتين في حين واحد (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ ۖ وَاللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلًا ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)
ومن اساليبه ينسي الانسان التسمية عند الاكل لان الطعام يهيج الشهوة عند الشبع وهذا اللعين يستفيد ويستغل من هيجان الشهوة وغليانها حتى يوقعك بالفحشاء والزنى قال تعالى (وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ ۗ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىٰ أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ ۖ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) ومن اساليبه ان يزين زخرف القول وتزيين الكلام والغرور في الكلام واختيار الالفاظ النابية والشتم والمغازلة مع النساء ونظم الاشعار الهجائية والغزلية وهذا مما يسبب كثرة الخصومات بين الناس والانفعالات الدائمة والصراعات المستمرة وغليان الحوار كمشجعي الكرة يتقاتلون فيما بينهم ويصرخون بالشتم والسب وقد تسببت المباريات في كثير من العداوات بين انصار هذا الفريق وبين فريق الاخرى حتى بلغ الامر الى اقتتال وازهاق النفس والسب والشتم واللعنة ويسبب هذا اثار العداوة والبغضاء قال تعالى(وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا ۚ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ ۖ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ) (وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا)
وهذا اللعين يتخفى دائما وراء الستار يعمل بخفية وخدعة ومكر ويغطي عقل المؤمن بغطاء الوسوسة وعنده قدرة عجيبة في تشويش المخ وتخليط الاشياء حتى لا يقدر الانسان ان يفرق بين الخير والشر ويعرف كثيرا ما يحب قرينه وما تهيج شهوته وما يغضبه وما ينومه ويكسله حتى ينغمس في الملذات المحرمة ويفقد ذاكرته ويغرقه في بحر الملذات الشهوانية وعنده قدرة قوية كيف يجمع بين الرجل والمرأة في المحارم ويوقع بينهم محبة شهوانية كاذبة وهمية وحب وشغف لا اصل له حتى يحس الطرفين لا يستغني بعضهم على بعض في حب ويجمع بينهم في الحرام ويستغل دائما في الخلوة بين الرجل والمرأة (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ ۚ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان)
(من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يخلون بامرأة ليس معها ذو محرم منها ، فإن ثالثهما الشيطان)
ومن اساليبه النصيحة الكاذبة والخداعة ويقول لك اني لك ناصح امين وهو يتلبس يصفات الحميدة والخوف لك في مستقبلك وارشادك الى الصواب ويأتيك من قبل ما تحب النفس البشرية من طول الامد والخلود وحب الملك وعنده صوت خفي كالهينمة والكلمة الرنانة المزخرفة والعبارات المسمومة كانه يسر ويلقي في اذنك نصيحة الحبيب لحبيبه وعلى المؤمن ان يتحرى من الناصح ومن هو ليس بناصح وليس كل من ادعى النصح واقسم بالله واغلظ بالايمان فهو ليس ناصح امين وقد يخدع المؤمن بالله بالقسم وهذا امر معروف بين الناس من خدعنا بالله انخدعنا له وكم من شرير فاسق فاجر يأتيك على باب النصح فهو في الاصل عدو لئيم فقصده ان يغويك ويبعدك عن طريق الخير والصلاح(وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ) ولما اخذت اخوة يوسف العداوة والبغضاء وظنوا ان اباهم يحب يوسف اكثر منهم قالوا ان ابانا لفي ضلال مبين ولما ارادوا الكيد لاخيهم ان يلقوه في غيابت الجب خاطبوا اباهم بصيغة النصح (قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَىٰ يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ. أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) وبعدما فعلوا الفعلة لاخيهم خاطبوا ابوهم بنفس صيغة الشيطان الحلف بالكذب (قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ ۖ وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ)
 وهذا القرين اللئيم لا يحب ان يتمتع المؤمن بالعيش الرغد والهدوء ولا ان يهدأ بال المسلم ويأتيك بشتى السبل والوسائل المغرية ويبذل قصارى جهده في اغوائك واضلالك مهما كلفته ويحاول بكل غريزة من غرائز الشهوات والملذات (ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ ۖ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ)    
وكما ينبغي الاشارة الى هنا ان القرين ليس من مردة الشيطان فقط فهناك قرناء من الانس وهم اشد من المردة في بعض الاحيان لان شياطين الجن لهم اعوان وعملاء يزينون الفواحش بارقى لباس الزينة ويغطون ويحجبون ويهيمنون عقول عباد الله من الحق حتى يسيطرونهم(وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا ۚ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ ۖ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ) ويوقعونهم في فخ الغفلة والانكار ويجعلونهم يهيمون وينهمكون في ملذات الحياة فيقولون لهم لا تسمعوا لهذا القرءان فالغوا عنه فانه اساطير الاولين فليس هناك حياة ما بعد الموت (وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ ۚ وَمَا لَهُم بِذَٰلِكَ مِنْ عِلْمٍ ۖ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ) فلا عقاب ولا حساب ولا جنة ولا نار (قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ. يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ. أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَدِينُونَ) فهؤلاء رفقاء السوء يحيطون العباد من كل جهة وصوب ولا يخلون لهم سبيلا ولا بابا من ابواب الخير والطاعة والنجاة الا يصدون عنهم ويقلبون لهم الحقائق حتى يجعلونهم انهم مهتدون وهم في عصيانهم وفواحشهم حتى ينسوهم ما خلفهم من العذاب فهؤلاء القرناء من الانس لهم داعية كثيرون يضللون العباد بشتى الوسائل يزينون لهم من بين ايديهم ومن خلفهم ويغمسون عباد الله في قاع الضلال وهم متربصون بلا ملل ولا كلل ولا يخيبون يفترسون عباد الله وينتهزون في كل فرصة وتظل هؤلاء القرناء سيطرتهم على من اتبعهم حتى يخرجونهم من الملة وابعادهم على طريق الحق ويقيدون قيود الضلال حتى يظنون من اتبعهم انهم يحسنون صنعا وهم على حق ولكنهم في حضيض الضلال وفخ الشياطين انهم عميت ابصارهم وبصيرتهم بغشاوة الضلال وغطت عقولهم بغطاء الاغواء والملذات الدنوية الفانية حتى يصبحون جنود ابليس واولياء الشياطين (وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ ۖ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ) (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا.يَا وَيْلَتَىٰ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا) والذين نجوا منهم ولم يتبعوهم وارشدهم الله الى طريق الحق يحمدون الله بعدما يدخلون الجنة ورأوا بأم عيونهم ام قرينه الذي كان يريد ان يضله في الدنيا ونجا بفضل الله انه في قاع جهنم يعذب (قَالَ تَاللَّهِ إِن كِدتَّ لَتُرْدِينِ. وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ) والذي اضله الشيطان واتبع خطوات الشياطين يقول في حصرة وندامة ياليت بيني وبينك بعد المشرقين وياليت بيننا لقاء فأنت بئس القرين وحين تنكشف الحقيقة ان الشيطان اخذله ولم ينصره فيقوم ويقول ياليت وياليتني وهي يوم لا تنفع ياليت وياليتني وبعد ان يقضي الله بينهم يتبرأ الشيطان من اتبعهم ويتخلى عنهم ويكشف لهم ان وعده كان باطلا واضلالا وعداوة(حَتَّىٰ إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ)
فعلينا ان نشكر ابليس ونقول له (رب ضارة نافعة) لقد نورت لنا ما هي خطورة الكبر ومخالفة امر الله وعدم الانقياد والانصياع بامر الله فعلمتنا خطورة العصيان لله لان الكبر والحسد ومخالفة امر الله هو الذي جعلك من الخالدين في النار علينا ان نشكر ابليس ونقول له لقد علمتنا ان المؤمن ممكن ان يخدع بالله والقسم الكاذب وتعلمنا منك ايها اللعين ليس كل من ينصح ويقسم بالله صادقا وعلى هذا تعلمنا منك الحذر من المحتالين والمخادعين من قبل الله علينا وعلمتنا ان الاخلاص هو النجاة الوحيد من كيدك واغوائك فانك لا تقدر ان تضلهم واعترفت بهذا  وقلت الا عبادك المخلصلين فعلينا  الاخلاص وامتثال اوامر الله ونواهيه  نقول شكرا لك لقد علمتنا ما هو العداوة والحسد ومدى خطورتها وما مصيرها لانك من اجلها اصبحت من الخالدين في النار من اجلك ايها اللعين عرفنا معنى الخيانة والخدعة والمكر لان الله خلق ءادم عليه الصلاة والسلام بيده فخلقه في احسن تقويم وكان لا يعرف المكر والخدعة بسبب هذا صدق بقسمك الكاذب حتى قال في مقولة ما كنت اظن ان مخلوقا خلقه الله يقسم بإسم الله وجلالة الله كذبا وكل مولود يولد على الفطرة لا يعرف الكذب والخيانة فشكرا ايها اللعين بفضل الله علمتنا ان هناك من يخدع المؤمن شكرا لك ايها اللعين علمتنا ما هي التوبة والانابة الى الله لانك لما ابيت السجود لأدم عليه الصلاة والسلام بامر من الله استكبرت وعصيت من امر الله فلم تتب من خطيئتك فاصبحت من الخالدين في النار ولكن نبي الله ءادم لما اغويت واكل الشجرة ندم وتاب واناب الى الله (قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)          

Thursday, 2 April 2015

العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول الا ما يرضي الله

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم 
وصف الله الموت مصيبة فهذا وصف لا يختلف بها المسلمون. قال تعالي: إن أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموتفالموت مصيبة فعلا من ساعة الاحتضار وفراق الاحبة والغرغرة والسكرات فقد اكد رسول الله صلي الله عليه وسلم ان للموت لسكرات فقال لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، إِنَّ لِلْمَوْتِ سَكَرَاتٍ ، ثُمَّ نَصَبَ يَدَهُ فَجَعَلَ يَقُولُ: فِي الرَّفِيقِ الأَعْلَى  حَتَّى قُبِضَ وَمَالَتْ يَدُهُ
فمصيبة الموت هوترك ومفارقة الاحبة والخلان والاهل وفراق الزوجة زوجها ويتم الاولاد والموت مصيبة للاحياء اشد من الميت لان الميت اما ان يستريح او يستراح منه قال صلي الله عليه وسلم  مُسْتَرِيحٌ وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ 
قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْمُسْتَرِيحُ وَالْمُسْتَرَاحُ مِنْهُ؟

قَالَ : الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ يَسْتَرِيحُ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا وَأَذَاهَا إِلَى رَحْمَةِ اللَّهِ ، وَالْعَبْدُ الْفَاجِرُ يَسْتَرِيحُ مِنْهُ الْعِبَادُ وَالْبِلَادُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ
لان بعده تترمل زوجته وَيُتْمُ الاطفال الذي كان يعولهم وكان سندا لهم اما الراحل فقد طويت صفحته ايًا ما كانت اما اقرانه واحبائه هم الذين يتعذبون من ورائه ويستوحشون ويتألمون ويحزنون ويجزعون فالفراق بين الاحبة مصيبة كبري كما نعتها الله سبحانه وتعالي ولكن من البد من احبائه وخلانه واولاده وزوجته ان يرحبوا بهذه المصيبة بصدر منشرح لان هذا قضاء الله وان يمتثلو بقدر الله ويستسلموا بما اراد الله فلا راد لقضائه قال رسول الله صلي الله عليه وسلم (ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب) وعلي المسلم الا يكره لقاء الله لأن لقائه حتم محتوم (من أحب لقاء الله أحب الله لقاه، ومن كره لقاء الله كره الله لقائه) 
فلا بد للمؤمن ان يفهم المصيبة اعتقادا سليما ايمانيا فالمصيبة عند رؤى الناس انها مصيبة ولكن عند الله تؤجر فالمصيبة في ذاتها سعادة المؤمن التقي في دار الاخرة (ما يُصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يُشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه) فالمصيبة للمؤمن ليست عقوبة من الله انما هي ابتلاء من الله ليمتحن عبده قدر ايمانه واستسلامه لقضاء ربه ويميز الله من يدعي الايمان الباطل ومن هو مؤمن حقا فلا بد من اظهار حقيقة المسلم امام نفسه وامام الاخرين فهي غربلة بين المسلمين فمن عرف قدر نفسه حين وقوع المصيبة بقلة ايمانه وعدم تحمل قلبه قضاء الله فلا بد ان يتدارك لاصلاحها فهي تمييز الخبيث من الطيب ليبن من هو شاكر بنعم الله ومن هو ساخط بقدر الله وهذه حكمة بالغة عند الله فانه يبتليك بالسراء والضراء فهي مراقبة لعبده وامتحانه اياه فهل يشكر العبد في الرخاء وهل يصبر في الشدة والبلاء وفقد الحبيب ونزول البلية والمصيبة والابتلاء ليؤجر الله عبده خير الاجر في الدنيا والاخرة وقد امتحن الله نبينا ابراهيم عليه الصلاة والسلام بذبح ابنه فقد نجح عليه الصلاة والسلام فقد قام بما امر الله وادى كما اراد الله ولكن كان هذا ابتلاءا وامتحانا (فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ. وَنَادَيْنَاهُ أَن يَا إِبْرَاهِيم. قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا ۚ إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) 
فاعلم يا اخي ان الدنيا دار ابتلاء وليس دار جزاء (إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا) فلا بد للعبد ان يعلم انه في امتحان مع الله فلا سخط ولا جزع لفقد فقيد عزيز فليس للعبد ان يضخم قدر المصيبة فعليه ان يذكر قدر اجرها عند الله وتقربه الى الله وايًا كانت المصيبة فلا بد ان يستقبل المؤمن بالرضى والقبول والتحلي بالصبر وعدم السخط والتبرم
كن عن همومك معرضاً *** وكِلِ الأمور إلى القضا
وأنعم بطول سلامــــــة *** تُسليك عمّا قد مضـى
فلربما اتسع المضيــق *** وربما ضاق الفضــــا
ولَرُبَّ أمرٍ مسخــــــطٍ *** لك في عواقبه رضى
الله يفعل ما يشـــــــاءُ *** فلا تكن متعرضـــــــا 
ولا بد للمؤمن ان يحمل في قلبه وعقله ولا تفارق في ذاكرته ان الموت لا بد منه ولا مفر منه وهو جزء من حياتنا وديننا وعقيدتنا وعلي المسلم ان يستعد لساعة الاجل فلا جزع للموت ولا فزع ولتعلم كل نفس انها في طابور الانتظار للموت: (كل نفس ذائقة الموت) (قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ)
اذاً فلم الغرابة فهذا حتم واجل منتظر ومرتقب وذكر الموت هو من الأعمال الصالحة وقربة الي الله وكان رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول (أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَادِمِ اللَّذَّاتِ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَمَا هَادِمُ اللَّذَّاتِ ؟ قَالَ : الْمَوْتُ)  (زار النبي صلى الله عليه و سلم قبر أمه فبكى و أبكى من حوله فقال : استأذنت ربي أن أستغفر لها فلم يؤذن لي و استأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي . فزوروا القبور فإنها تذكر الموت و عن ابن ماجة ، عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : كنت نهيتكم عن زيارة القبور . فزورها . فإنها تزهد في الدنيا و تذكر الآخرة)
لان ذكر الموت فيه عدة منافع جليلة ويزداد فيه قوة الايمان فلا يزني زان حين يزني لو تذكر الموت لأنه يقول في نفسه ما ذا سيكون حالي ومصيري وخاتمتي لو مت وأنا في حالة الزنا ويحجم عن الزنا وهكذا السارق وكل من اراد الفواحش لأن الاعمال بالخواتيم ومن كان خاتمة سيئة والعياذ بالله ختم بما هو عليه (إن العبد ليعمل عمل أهل النار وإنه من أهل الجنة، ويعمل عمل أهل الجنة وإنه من أهل النار. الأعمال بالخواتيم)
ورسول الله صلي الله عليه وسلم حين مات ابنه ابراهيم كان يقول (إن العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون)
وهذا قمة الاستسلام والانقياد لقدر الله والرضي بما اخذ الله فلا سخط ولا جزع ولكنه صبر بما قضي الله (إن لله ما أخذ ، وله ما أعطى ، وكل شيء عنده بأجل مسمى ، فاصبر واحتسب)  كما قال نبي الله يعقوب عليه افضل الصلاة والسلام علي ابنائه لما قالوله (قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ) فاجاب لهم (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ) فاسند الامر الي ربه واستسلم.
نعم, الابناء هم مهجة القلوب وان لفراقهم لحزن شديد ولوعة وحرقة في النفوس وان نوحا عليه الصلاة والسلام اشتكي لربه لفقد ابنه ومع انه كان كافرا وعاقا لوالده ولكن هذا حنان الابوة والرحمة للابناء ولكن نوحا عليه الصلاة والسلام لما امر ربه بكف الشكوي استسلم وانقاد امر الله (يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۖ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ.
ومن المؤكد ان العين لتدمع والقلب ليحزن وهي من آثار الرحمة وليست سخط  الله ولا بد للمرء ان يسترجع لله حين يفقد ابنه ووالده او حبيبا قريبا وعزيزا له فالدمعة والحزن هي رحمة وحنان جعلها الله في قلوب عباده الرحماء (وإنما يرحم الله من عباده الرحماء) فلا بد الصبر بقضاء الله والاحتساب وابتغاء الاجر من الله (انما يوفي الصابرون اجرهم بغير حساب) فالحقيقة ان فقدان الآباء والاحبة هي لوعة في الفؤاد وحرقة في الاكباد فيه الم وتقطع القلوب ولكن لا بد من استعانة الصبر والرضي بمقادير الله واحتساب الاجر من الله فاعلم انك عقدت مع الله عقدا غليظا بأنك تؤمن القدرخيره وشره (الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقَدَر خيره وشره) فهذا محض الايمان فلم الجزع والفزع والسخط بقدر الله فاعلم ان القدر لا يأتي دائما بما يفرحك فأنت دائما ايها المسلم في خضم بحر متلاطم من الابتلاءات فاذا جاء الخطب المحتوم والاجل المكتوب فعليك بالصبر والاستسلام وحسن الظن لله فاذا غابت عنك البلاء والمحن والبلية فاعلم انها نازلة عند قوما آخرين فلا نعمة تدوم ولا تفا رقك ولا مصيبة تسكن في دارك طول الامد انها ساعة وساعة وهكذا الحياة تفرحك دهرا وتحزنك يوما فلا تكن في شجون دائم
كل ابن انثي وان طالت سلامته        يوما  علي آلة حدباء محمول
فاذا حملت الي المقابر جنازة               فاعلم انك بعدها محمول
******************************************
تزود من التقوى فإنك لا تدري *** إذا جن ليل هل تعيش إلى الفجر 
فكم من فتى أمسى وأصبح ضاحكاً***وقد نسجت أكفانه وهو لا يدري
وكم من عروس زينوها لزوجها***وقد قبضت أرواحهم ليلة القدر
وكم من صغار يرتجى طول عمرهم ***وقد أدخلت أجسادهم ظلمة القبر
وكم من صحيح مات من غير علة***وكم من سقيم عاش حيناً من الدهر
فان فراق الامهات وموت من هو عزيز عليك هو انكسار في القلوب وحسرة في النفوس ووقعة اليما وطعما مرًا علقما ولا يسيغ تدوقه فلا بد من اتساع الصدر بما قسم الله لك ان هناك بلايا ومصائب لا يقدر تحملها بالعواتق ولا يقدر حملها الاقوياء ولكن قلب المؤمن المعمور بالايمان يتلذذ بها ولا يشعر ثقلها اما البكاء والنحيب والدموع فهذا لا ينافيه الايمان ولا ينكره ولكن هذا عطف المؤمن ولين جانبه وحنانه لفقيده الغالي وعجبا لقلب المؤمن يتحمل لكلتا الحالتين حالة الضراء وحالة السراء (عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير ، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن ؛ إن أصابته سرّاء شكر ؛ فكان خيراً له ، وإن أصابته ضرّاء صبر ؛ فكان خيراً له) واما غير المؤمن فهو يريد ان يعيش في الحياة على حالة واحدة وجانب واحد من الحياة فلا يهتم الا السراء ويمقت حين الضراء (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ ۖ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ ۖ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ) (فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ. وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ) اما المؤمن الصالح لا يعرف التسخط بقدر الله ولا النياحة ولا الجزع فان كل هذا ليس من التسليم والرضى فلتعلم ايها المسلم ان كل هذا لا يزيد الا حرفة ولوعة واسى والقنوط من رحمة الله والبعد عن الله (إنما الصبر عند الصدمة الأولى) فما فائدة الجزع والسخط بقضاء الله ان صبرت فلك الاجر بما قضى الله اليك وان جزعت وسخطت اجرى الله عليك بقضائه وانت آثم فمن المستحسن ان تستقبل بقضاء الله بصدر رحب منشرح واسع ووجه طلق وقلب كبير يتلذذ بابتلاء الله
فلكل يموت من على وجه الارض سواء رضي ام سخط فلا حاجة للاعتراض وحب الحياة وكره الموت. يموت الصحيح والعليل والصالح والطالح والصغير والكبير هي حياة محدودة محددة مؤقتة الى اجل معدود مفارقة الحياة امر محتوم ومصير مقدور لا محالة له ولكن المؤسف والمخزي من تفرط في الله فالمعتبر ما هي نهايتك وماذا قدمت لنفسك يوم العرض يوم الوقوف بين يدي الله (يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي.فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌوَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌيَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةًفَادْخُلِي فِي عِبَادِيوَادْخُلِي جَنَّتِي) فلا داعي لكثرة الشكوى وسخط الكلام وتوتر الاعصاب والقلق والغم والهم وصرخة لا تفيد وهذا قدر الله ومشيئته فما فائدة ان تعيش بالويل والثبور فلا مناص الا بالرضى فمن رضي عن الله رضي الله عنه فاذا استسلمت ملأ الله قلبك القناعة وفرغ عنك الهموم والغم ورفع عنك الكرب وخفف عنك الالم فاما ما نراه في مجتمعنا اليوم من النساء منهن الصالقة والحالقة والشاقة فمنهن من يدعين الويل والثبور فاولات برأ نبي الله منهن فاولات لا يفيدون الا تجديد الخرن والاسى اكيد ان مصيبة الموت صعبا وجلل ولا يتحملها الا قلة من المؤمنين ولكن الرضى والصبر والشكر هو الذي يشفي قلب المؤمن ويطفئ غليله وحسرته ولعل الله يعوضك ايها المؤمن فيما فقدت وابدلك خير منه
فلرب أمـر محـزن *** لك في عواقبه الرضا
ولربمـا اتسع المضيق *** وربما ضاق الفضـا     
فاعلم يا اخي ان كل ما نملك من الدنيا من مال وكنز وجاه ونفس فهي ملك لله فهي مستودعة لنا في زمن محدود واجل مقدر وفي النهاية ترجع وتعود الى موجدها فهو الله الواحد الاحد الذي لا يموت ولا يزول ملكه ولا يفنى كنزه ولا تنفذ خزائنه فاذا علم العبد ان ماله وولده واهله وجاهه ملك لله فاعتبرها عارية ونحن مستعيرون من الله فاذا اخذها الله في اجلها المحدود فلا سخط فلا بد المعير يأخذ عاريته من المستعير
دع الأيام تفعــــــــل ما تشــاء ..... وطب نفسا إذا حكم القضاء
ولا تجــــــــزع لحادثة الليالي ..... فما لحـــوادث الدنيا بقـــــاء
وكن رجلا على الأهوال جلدا ..... وشيمتك السماحة والوفـــاء
وإن كثرت عيوبك في البرايا ..... وسرك أن يكون لها غطـاء
تستر بالسخاء فكـل عيــــــب ..... يغطيه كمـا قــيــل السخـــاء
ولا تــــــر للأعادي قــط ذلا ..... فإن شماتة الأعدا بـــــــــلاء
 
ولا ترج السماحة مــن بخيل ..... فما في النــــــار للظمآن ماء
ورزقك ليـــس ينقصه التأني ..... وليس يزيد في الرزق العناء
ولا حزن يــدوم ولا ســرور ..... ولا بؤس عليك ولا رخــــاء
إذا ما كنــــت ذا قـلب قنـوع ..... فأنت ومالك الدنيا ســــــــواء
ومــــن نزلت بساحته المنايا ..... فلا أرض تقيه ولا سمــــــاء
وأرض الله واسعة ولــــكــن ..... إذا نزل القضا ضاق الفضاء
دع الأيام تغـــــدر كل حيــن ..... فما يغني عن المــوت الدواء