بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام علي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى ءاله وصحبه وسلم
الايمان هو ان تؤمن بالله بوجوده والاعتراف بالوهيته وتصديق بكل ما جاء الانبياء واتباعهم ظاهراً وباطناً بتصديق القلب واقرار اللسان وقيام الجوارح على الطاعات بما امر الله وبما نهى عنهم قال تعالى (قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ)
فاعلم ان الايمان ليس تقليداً للآباء ولا للقوم ولا ان تتكسب من الأخرين ولا يمن بعضنا على بعض على الايمان انما هو نور وهداية يقذفها الله على قلوب عباده لمن اراد بهم خيراً فالايمان منحةٌ ومنةٌ من الله لمن اختار الله من عباده المخلصين ( وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم) ( يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين إن الله يعلم غيب السماوات والأرض والله بصير بما تعملون ) (وَعَنْ مُعَاوِيَةَ - رضى الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -{ مَنْ يُرِدِ اَللَّهُ بِهِ خَيْرًا, يُفَقِّهْهُ فِي اَلدِّينِ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)
وليس الايمان توارث بين الآباء والابناء فابن نوح عليه الصلاة والسلام كفر برسالة ابيه وما جاء به الله وهو في النار خالداً مخلداً ولم تنفعه انه تربى في بيت النبوة
وعم رسول الله ابي طالب الذي كان اشد الناس دفاعاً وحماية لرسول الله وهو الذي رباه لرسول الله بعد موت ابيه مات على الشرك والكفر ورسول الله صلى الله عليه وسلم يلقنه ويردده (يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أشهد لك بها عند الله) (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين) وزوجتين تحت نبييين من انبياء الله تربوا في بيت النبوة فكانتا كافرتين مشركتين وهذا يدل على ان ايمان نبي الله لوط ونبي الله نوح لن يغني عن زوجاتهما (ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين)
وامرأة فرعون الجليلة الشهيدة ءاسية بنت مزاح كانت تحت فرعون الطاغي الجبروت ما ضر كفر زوجها وجبروته وعذابه اياها حين اطاعت واستسلمت لله قلباً وقالباً وحفظت ايمانها وتمسكت بدينها ولم يزحزحها اي خوف ولا شك عن ربها ولا ايمانها وكانت تردد (وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين ( 11 ) ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين)
فقلوبنا بين اصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء فعمر ابن الخطاب خرج يوماً ليقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم فمشيئة الله هداه الله للاسلام واصبح فاروق هذه الامة وخالد ابن الوليد الذي قتل يوم احد سبعين من اصحاب رسول الله شاء الله ان يهديه للاسلام فقذف الله نور الايمان في قلبه فاصبح سيف الله المسلول
واما زوج ام حبيبة بنت ابي سفيانعُبيد الله بن جحش لما هاجر معها الى الحبشة في الهجرة الاولى ارتد عن دينه واعتنق المسيحية سبحان مقلب القلوب
وصحابي ءاخر كان اسمه عبد الله ابن ابي سرح كاتب وحي رسول الله ارتد عن الاسلام ولحق الكفار ثم تاب واسلم وحسُنَ اسلامه
والايمان اذا باشر قلب المؤمن وملأ نوراً في قلبه لا تحركه الرياح والعواصف ولا تغره المطامع الدنيوية ولا يرتابه شك ولا ريب يكون مخلصاً مطيعاً اوامر الله ولا يخالف ربه فام موسى عليها الصلاة والسلام لما امر الله ان تلقي ابنها في اليم لم تتردد ولا تراجعت انما فعلت كما امرها الله واستسلمت لربها (أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ ۚ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِي)
وابنها موسى عليه الصلاة والسلام لما تحولت العصا الى ثعبان باذن ربها ولى مدبراً فخاف ففزع ولم يقدر ان يمكث مكانه بشدة الخوف (وألق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب يا موسى لا تخف إني لا يخاف لدي المرسلون)
ولكن لما جاء امر الله ان يأخذ العصا لم يتردد فاخذها كما امره الله فهي نفس العصا التي كان يخافها وهذا يدل على قوة الايمان وطاعة الله (قال خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى) لأن الايمان اذا باشر القلب فالجوارح تتبع القلب وتطيع ربها
وزوجة فرعون لم تغتر بملك زوجها وكنوزه وامواله وممتلكاته الذي كان يفتخر به وكان يقول (وَنَادَىٰ فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَٰذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي ۖ أَفَلَا تُبْصِرُونَ) لم تبيع دينها بدنياها ولم تغتر وقالت اللهم ان العيش عيش الأخرة رب ابن لي بيتاً في الجنة وهذا من معجزات الايمان اذا عمر قلب المؤمن
ويوسف ابن يعقوب عليه الصلاة والسلام لما راودته امرأة العزيز ودعته الفاحشة بعد ان تزينت وتعطرت وجاءت بكل الاغراء والاغواء وغلقت الابواب وقد هيئت كل شيء وامنت المكان لم يسيل لعابه ولم يجري وراءها ولا اغترته بجمالها وتزيين نفسها (وغلقت الأبواب وقالت هيت لك قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون)
فلم تنته الى هذا الحد لانها كانت تحبه كثيراً قد شغفها حب جنوني وحاولت مراراً وهددته (قَالَتْ فَذَٰلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ ۖ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ ۖ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ) فما زال نبي الله يوسف يحفظ ايمانه وصلابة قوة ايمانه ولم يضعف امام هذه المرأة انما كان يردد معاذ الله انه احسن مثواي انه لا يفلح الظالمون وقال قولته الجليلة العظيمة (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ۖ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ)
وان من خلق الله من لا يحمل في قلبه مثقال ذرة من الايمان ولا عقل حتى وان شاهدوا بام عيونهم معجزات الله وبراهين الله وعظمة وقدرة الله فمثلاً قوم ابراهيم عليه الصلاة والسلام لما القوه في النار ولم يحترق خليل الله زادتهم كفراً والحاداً بهذه المعجزة (قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ. قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ. وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ) فلما رأى ابوه ءازر او عمه بخلاف العلماء ان ابراهيم عليه الصلاة والسلام لم تحرقه النار قال نعِم الرب ربك يا ابراهيم فلم يستسلم ولم يؤمن برب ابراهيم ومع انه اعترف بمعجزة الله ان النار لم تحرق ابراهيم قس قلبه.
واصحاب البقرة بعد الخلاف والجدال والمراء والحجج الكثيرة مع نبي الله موسى عليه الصلاة والسلام لما رأو ان الله قد احيى الميت وشهد الذين قتلوه بدلا ان يصدقوا نبي الله وينبهروا معجزة الله ازدادوا كفراً وبعداً عن الله (وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا ۖ وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ. فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا ۚ كَذَٰلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَىٰ وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ. ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَٰلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ۚ وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ ۚ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ ۚ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)
ولما ضرب نبي الله موسى عصاه في البحر فانفلق البحر فانقسم البحر الى قسمين وشق الله لنبيه موسى عليه الصلاة والسلام طريقاً يبساً لينجوا من فرعون وجنوده
واتبع فرعون وجنوده لنبي الله موسى هو وجنوده فاغرق الله في البحر فكانت معجزة عظيمة وجليلة ولكن اليهود بعد هذه النجاة من ظلم فرعون وجبروته قالوا (وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون ( 138 ) إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون)
لما سألوا الحواريون نبي الله عيسى ابن مريم ان ينزل عليهم مائدة من السماء سألوا عنه بصيغة الاستهزاء والتصغير كانهم يشكون قدرة رب العالمين كأنهم يخاطبون بشراً ويجربونه هل يستطيع ربك وليس ربهم وهذا كفر وانكار عظمة الله ولهذا نهاهم نبي الله عيسى على تجاوزهم عظمة الله قال اتقوا الله ( إذ قال الحواريون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء قال اتقوا الله إن كنتم مؤمنين ( 112 ) قالوا نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين ( 113 ) قال عيسى ابن مريم اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا وآية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين ( 114 ) قال الله إني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين)
وهناك خلق ءاخر اشد الناس قسوة وانكاراً والحاداً بعظمة الله اخبرنا الله بانهم حتى وان رأو ونزل عليهم الملائكة ورأو موتاهم وكلموا معهم لم يغنيهم كل هذا ايماناً انما يزدادون كفراً ( ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله ولكن أكثرهم يجهلون) (ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون)
وهناك خلق ءاخر لو شهدوا القيامة والحشر والميزان والبعث وعذبهم الله في النار ورأو كل شيء وردهم الله الى الدنيا لعادوا لما نهوا عنه (وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ ۖ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ)
الايمان يزداد وينقص يزداد بالطاعات والعبادات واجتناب المعاصي وتقرب الى الله وحسن الظن في الله والبعد عن المحارم وما يقربه وحسن الخلق ومخافة الله والاجتهاد في الطاعات والعبادات والخوف من النار وذكر هادم اللذات والاستعداد يوم الرحيل واخذ الزاد واليقين برحمة الله
وينقص بالمعاصي والفسوق وهجر العبادة والطاعة وظلم الناس واستحلال المحارم وعدم التزام احكام الله والبعد عن الله وعدم اليقين في الله وحب الدنيا والشهوات واتباع الهوى والاستهانة وعدم الزجر بما حرم الله والاستصغار بالذنوب وعدم الخوف من الله واليوم القيامة (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ ۗ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) ( وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون ( 124 ) وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون) (وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً ۙ وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا ۙ وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ ۙ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَٰذَا مَثَلًا ۚ كَذَٰلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ۚ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ ۚ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْبَشَرِ)
وفي عصورنا الاخيرة البسنا الله لباس الجوع والخوف وضاقت علينا الارض بما رحبت اصابنا الزلازل والفيضانات وضيق المعيشة وقلة الامطار ومنافع الارض وكثرة الفواحش وكثرة القتل والحروب وقطيعة الرحم وكثرة العقوق وكثرة الفساد في الارض وظهور الخبث والخوف تداعت علينا الامم واصبحنا تحت مذلة الكفار وكثرة الالحاد فلم يزد لنا كل هذا الا فراراً من الله وقلة الايمان والشك عن اليقين فوالله لا يغير الله حالنا الا ان نغير نحن ما بانفسنا (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال) (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم) (وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا لنفتنهم فيه ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذابا صعدا)
فقلوبنا بين اصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء فعمر ابن الخطاب خرج يوماً ليقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم فمشيئة الله هداه الله للاسلام واصبح فاروق هذه الامة وخالد ابن الوليد الذي قتل يوم احد سبعين من اصحاب رسول الله شاء الله ان يهديه للاسلام فقذف الله نور الايمان في قلبه فاصبح سيف الله المسلول
واما زوج ام حبيبة بنت ابي سفيانعُبيد الله بن جحش لما هاجر معها الى الحبشة في الهجرة الاولى ارتد عن دينه واعتنق المسيحية سبحان مقلب القلوب
وصحابي ءاخر كان اسمه عبد الله ابن ابي سرح كاتب وحي رسول الله ارتد عن الاسلام ولحق الكفار ثم تاب واسلم وحسُنَ اسلامه
والايمان اذا باشر قلب المؤمن وملأ نوراً في قلبه لا تحركه الرياح والعواصف ولا تغره المطامع الدنيوية ولا يرتابه شك ولا ريب يكون مخلصاً مطيعاً اوامر الله ولا يخالف ربه فام موسى عليها الصلاة والسلام لما امر الله ان تلقي ابنها في اليم لم تتردد ولا تراجعت انما فعلت كما امرها الله واستسلمت لربها (أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ ۚ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِي)
وابنها موسى عليه الصلاة والسلام لما تحولت العصا الى ثعبان باذن ربها ولى مدبراً فخاف ففزع ولم يقدر ان يمكث مكانه بشدة الخوف (وألق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب يا موسى لا تخف إني لا يخاف لدي المرسلون)
ولكن لما جاء امر الله ان يأخذ العصا لم يتردد فاخذها كما امره الله فهي نفس العصا التي كان يخافها وهذا يدل على قوة الايمان وطاعة الله (قال خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى) لأن الايمان اذا باشر القلب فالجوارح تتبع القلب وتطيع ربها
وزوجة فرعون لم تغتر بملك زوجها وكنوزه وامواله وممتلكاته الذي كان يفتخر به وكان يقول (وَنَادَىٰ فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَٰذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي ۖ أَفَلَا تُبْصِرُونَ) لم تبيع دينها بدنياها ولم تغتر وقالت اللهم ان العيش عيش الأخرة رب ابن لي بيتاً في الجنة وهذا من معجزات الايمان اذا عمر قلب المؤمن
ويوسف ابن يعقوب عليه الصلاة والسلام لما راودته امرأة العزيز ودعته الفاحشة بعد ان تزينت وتعطرت وجاءت بكل الاغراء والاغواء وغلقت الابواب وقد هيئت كل شيء وامنت المكان لم يسيل لعابه ولم يجري وراءها ولا اغترته بجمالها وتزيين نفسها (وغلقت الأبواب وقالت هيت لك قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون)
فلم تنته الى هذا الحد لانها كانت تحبه كثيراً قد شغفها حب جنوني وحاولت مراراً وهددته (قَالَتْ فَذَٰلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ ۖ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ ۖ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ) فما زال نبي الله يوسف يحفظ ايمانه وصلابة قوة ايمانه ولم يضعف امام هذه المرأة انما كان يردد معاذ الله انه احسن مثواي انه لا يفلح الظالمون وقال قولته الجليلة العظيمة (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ۖ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ)
وان من خلق الله من لا يحمل في قلبه مثقال ذرة من الايمان ولا عقل حتى وان شاهدوا بام عيونهم معجزات الله وبراهين الله وعظمة وقدرة الله فمثلاً قوم ابراهيم عليه الصلاة والسلام لما القوه في النار ولم يحترق خليل الله زادتهم كفراً والحاداً بهذه المعجزة (قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ. قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ. وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ) فلما رأى ابوه ءازر او عمه بخلاف العلماء ان ابراهيم عليه الصلاة والسلام لم تحرقه النار قال نعِم الرب ربك يا ابراهيم فلم يستسلم ولم يؤمن برب ابراهيم ومع انه اعترف بمعجزة الله ان النار لم تحرق ابراهيم قس قلبه.
واصحاب البقرة بعد الخلاف والجدال والمراء والحجج الكثيرة مع نبي الله موسى عليه الصلاة والسلام لما رأو ان الله قد احيى الميت وشهد الذين قتلوه بدلا ان يصدقوا نبي الله وينبهروا معجزة الله ازدادوا كفراً وبعداً عن الله (وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا ۖ وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ. فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا ۚ كَذَٰلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَىٰ وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ. ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَٰلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ۚ وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ ۚ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ ۚ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)
ولما ضرب نبي الله موسى عصاه في البحر فانفلق البحر فانقسم البحر الى قسمين وشق الله لنبيه موسى عليه الصلاة والسلام طريقاً يبساً لينجوا من فرعون وجنوده
واتبع فرعون وجنوده لنبي الله موسى هو وجنوده فاغرق الله في البحر فكانت معجزة عظيمة وجليلة ولكن اليهود بعد هذه النجاة من ظلم فرعون وجبروته قالوا (وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون ( 138 ) إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون)
لما سألوا الحواريون نبي الله عيسى ابن مريم ان ينزل عليهم مائدة من السماء سألوا عنه بصيغة الاستهزاء والتصغير كانهم يشكون قدرة رب العالمين كأنهم يخاطبون بشراً ويجربونه هل يستطيع ربك وليس ربهم وهذا كفر وانكار عظمة الله ولهذا نهاهم نبي الله عيسى على تجاوزهم عظمة الله قال اتقوا الله ( إذ قال الحواريون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء قال اتقوا الله إن كنتم مؤمنين ( 112 ) قالوا نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين ( 113 ) قال عيسى ابن مريم اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا وآية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين ( 114 ) قال الله إني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين)
وهناك خلق ءاخر اشد الناس قسوة وانكاراً والحاداً بعظمة الله اخبرنا الله بانهم حتى وان رأو ونزل عليهم الملائكة ورأو موتاهم وكلموا معهم لم يغنيهم كل هذا ايماناً انما يزدادون كفراً ( ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله ولكن أكثرهم يجهلون) (ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون)
وهناك خلق ءاخر لو شهدوا القيامة والحشر والميزان والبعث وعذبهم الله في النار ورأو كل شيء وردهم الله الى الدنيا لعادوا لما نهوا عنه (وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ ۖ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ)
الايمان يزداد وينقص يزداد بالطاعات والعبادات واجتناب المعاصي وتقرب الى الله وحسن الظن في الله والبعد عن المحارم وما يقربه وحسن الخلق ومخافة الله والاجتهاد في الطاعات والعبادات والخوف من النار وذكر هادم اللذات والاستعداد يوم الرحيل واخذ الزاد واليقين برحمة الله
وينقص بالمعاصي والفسوق وهجر العبادة والطاعة وظلم الناس واستحلال المحارم وعدم التزام احكام الله والبعد عن الله وعدم اليقين في الله وحب الدنيا والشهوات واتباع الهوى والاستهانة وعدم الزجر بما حرم الله والاستصغار بالذنوب وعدم الخوف من الله واليوم القيامة (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ ۗ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) ( وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون ( 124 ) وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون) (وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً ۙ وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا ۙ وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ ۙ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَٰذَا مَثَلًا ۚ كَذَٰلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ۚ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ ۚ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْبَشَرِ)
وفي عصورنا الاخيرة البسنا الله لباس الجوع والخوف وضاقت علينا الارض بما رحبت اصابنا الزلازل والفيضانات وضيق المعيشة وقلة الامطار ومنافع الارض وكثرة الفواحش وكثرة القتل والحروب وقطيعة الرحم وكثرة العقوق وكثرة الفساد في الارض وظهور الخبث والخوف تداعت علينا الامم واصبحنا تحت مذلة الكفار وكثرة الالحاد فلم يزد لنا كل هذا الا فراراً من الله وقلة الايمان والشك عن اليقين فوالله لا يغير الله حالنا الا ان نغير نحن ما بانفسنا (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال) (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم) (وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا لنفتنهم فيه ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذابا صعدا)
No comments:
Post a Comment