بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام علي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى ءاله وصحبه وسلم
(وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ ۖ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ)
(فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ)
شاء الله وقدر ان تكون الدنيا فترة محددة وزمن وجيز وهي دار ممر وليست هي دار مستقرٍ وجعل لها اجلا محددا وكل واحد منا لا يتجاوز مما حدد له من اَجلٍ ورزق وشقاءٍ وسعادة وفقر وغناء وصحة ومرض (ولكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون) قال رسول الله (حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَبِيبِ بْنِ عَرَبِيٍّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ بِبَعْضِ جَسَدِي فَقَالَ " يَا عَبْدَ اللَّهِ كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ كَأَنَّكَ عَابِرُ سَبِيلٍ وَعُدَّ نَفْسَكَ مِنْ أَهْلِ الْقُبُورِ ")
(اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ۖ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا ۖ وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ ۚ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ)
فاعلم يا اُخي ان الدنيا هي دار مزرعة للأخرة وليست دار جزاء ولا عقاب وهي متاع متروكة ولا محيص ولا محيدة وهي تضمحل ومن الافضل ان تجعل هذا المتاع وهذه الملذات والشهوات طاعة لله وهي تهيئة النفس وتجهيز الزاد الى ما بعد الموت فاذا انقضت هذه المدة المحددة وانتهت وجودها ووقفت امام الله يوم القيامة حاسب الله خلقه باعمالهم جليلها وحقيرها
شاء الله وقدر ان تكون الدنيا فترة محددة وزمن وجيز وهي دار ممر وليست هي دار مستقرٍ وجعل لها اجلا محددا وكل واحد منا لا يتجاوز مما حدد له من اَجلٍ ورزق وشقاءٍ وسعادة وفقر وغناء وصحة ومرض (ولكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون) قال رسول الله (حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَبِيبِ بْنِ عَرَبِيٍّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ بِبَعْضِ جَسَدِي فَقَالَ " يَا عَبْدَ اللَّهِ كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ كَأَنَّكَ عَابِرُ سَبِيلٍ وَعُدَّ نَفْسَكَ مِنْ أَهْلِ الْقُبُورِ ")
(اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ۖ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا ۖ وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ ۚ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ)
فاعلم يا اُخي ان الدنيا هي دار مزرعة للأخرة وليست دار جزاء ولا عقاب وهي متاع متروكة ولا محيص ولا محيدة وهي تضمحل ومن الافضل ان تجعل هذا المتاع وهذه الملذات والشهوات طاعة لله وهي تهيئة النفس وتجهيز الزاد الى ما بعد الموت فاذا انقضت هذه المدة المحددة وانتهت وجودها ووقفت امام الله يوم القيامة حاسب الله خلقه باعمالهم جليلها وحقيرها
من لم يمت عبطة يمت هرما للموت كأس وإن المرء ذائقها
الموت باب وكل الناس داخله فليت شعري بعد الباب ما الدار
النفسُ تبكي على الدنيا وقد علمت ***** أن السعادة فيها ترك ما فيها
لا دارٌ للمرءِ بعد الموت يسكُنها ***** إلا التي كانَ قبل الموتِ بانيها
فإن بناها بخير طاب مسكنُه ***** وإن بناها بشر خاب بانيها
لا دارٌ للمرءِ بعد الموت يسكُنها ***** إلا التي كانَ قبل الموتِ بانيها
فإن بناها بخير طاب مسكنُه ***** وإن بناها بشر خاب بانيها
(كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۖ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ۗ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ)
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يردد (وعن أنس ، رضي الله عنه، أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال:”اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة" )
ومن البديهي والعقل السليم والنفس السوية لا تعد النفس ولا تحب بشيء غير مستقر ولا يدوم ولا يتمتع بها الا ءاجالا وسنين يسيرة
انما النفس تحب السعادة الدائمة والعمر الطويل والنعمة الغير المنقطعة والصحة والراحة والاطمئنان وملك لا ينتهي وكراهية الموت وحب الدنيا وانشغالها وجمع المال والذهب والفضة والاولاد وكل هذا لا يجد فيها الدنيا الفانية (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ۗ ذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ)
واما الاولاد فليس هم السعادة الحقيقية ولا المستقبل المنتظر وهم اقرب الاقربين وانما هم في بعض الاحيان فتنة لك لدينك ودنياك ابتلاء من الله (إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم)
فليست المرأة ذات الحسب والنسب والجمال وذات المنظر الجذاب ليست هي السعادة بذاتها فان بعض النساء من تفسد دنياك واخراك وتقطع صلة ارحامك وتفسد العشيرة بين الاهل وشتت اسرة باكملها ومزقت شأفتها وفرقت بين الاخوات والوالدين فكم من زوج قطع ارحامه من اجل ارضاء زوجته واخذ والديه الى مساكن ودار العجزة والمسنين لتستريح زوجته من والديه ( ياأيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم)
(ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى)
فالمرء لا يدري اين هي مكمن السعادة ومخبئها ومحورها وسلامة نفسه وارتياح باله ولذة عيشه ومستقبله ( وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم ) فابن نوح عليه الصلاة والسلام اختار الموت والهلاك برؤيته وعقيدته السقيمة بدلا من سعادة الدنيا والاخرة (قَالَ سَآوِي إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ ۚ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ ۚ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ)
وفرعون لما شق الله البحر وانفلك لينجي موسى عليه الصلاة والسلام ومن تبعه من قومه فاتبع فرعون بغيا وعدوا ظننا منه ولرؤيته ان يقطع دابر موسى عليه الصلاة والسلام ومن ءامن معه وكانت نهايته وهلاكه واغرقه الله البحر (وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا ۖ حَتَّىٰ إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ)
ونبي الله يونس عليه الصلاة والسلام ترك قومه من غير امر من ربه لما عصوا قومه ولم يطيعوه تركهم ظننا انه يستريح منهم ويبتعد عن ءاذاهم ولكن كانت عكس مما ظن فادخله الله في ظلمات ثلاث (وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ. فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ)
فاصحاب الجنة لما ارادوا ان يمنعوا صدقة الحصاد من جنتهم وحرمانهم على الفقراء حتى لا ينقص مالهم كانت حرمانا لهم ولجنتهم (إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ (17) وَلَا يَسْتَثْنُونَ (18) فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ (19) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (20) فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ (21) أَنِ اغْدُوا عَلَىٰ حَرْثِكُمْ إِن كُنتُمْ صَارِمِينَ (22) فَانطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ (23) أَن لَّا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُم مِّسْكِينٌ (24) وَغَدَوْا عَلَىٰ حَرْدٍ قَادِرِينَ (25) فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (26) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ)
وقوم هود عليه الصلاة والسلام لما رأو سحابتا عارضا ممطرة ظننا لرؤيتهم واعتقادهم انها سحاب تحملهم غيثا استعجلوا اليها واتوا ناحيتها فرحين مستبشرين ولكن كانت نقمة لهم ودمارهم ودمار ديارهم واستئصال عقباهم (فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم ( 24 ) تدمر كل شيء بأمر ربها فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم كذلك نجزي القوم المجرمين)
فالسؤال هنا:-
هل السعادة شىء مستحيل وهل هي خيالية ووهمية وليست موجودة في الوجود اصلاً ونتعب انفسنا ونجري ونركض وراءها
بل هي موجودة ومستقرة في بعض النفوس المطمئنة الطاهرة التي عرفت قدر ربها حق المعرفة الذين استسلموا لربهم وفوضوا امرهم الى الله قلبا وقالبا
فليست السعادة بشرط جمع المال وسكن القصور الفارهة ولا الحشم ولا الخدم ولا المناصب ولا الملك انما هي موجودة في قلوب المتقين تجدهم افقر الناس وهم في قمة السعادة والاطمئنان وكان يقول السلف الصالح لو علموا الملوك مما نحن فيه من السعادة لجلدونا بالسيوف وكانوا افقر الناس ولا يملكون من الدنيا زخارفها ومتاعها شيئا الا انهم كانوا اسعدت نفوسهم بتوكلهم على الله وارتياحهم بما قسمهم الله كان شعارهم ارض بما قسم الله لك تكن اغنى الناس فلا ينظرون من كان فوقهم ولا يمدون ايديهم لغيرهم وكانوا يرددون (ما من رجل رأى مبتلى فقال : الحمد لله الذي عافانا مما ابتلاك به وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلا إلا لم يصبه ذلك البلاء كائنا ما كان)
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (يا محمد أتحب أن تكون نبياً ملكاً أم نبياً عبداً ؟ قال : بَلْ نبياً عبداً أجوع يوماً فأصبر وأشبع يوماً فأشكر)
وكان يربط على بطنه الحجر والحجرين ولا يوقد في بيته نارا ومع انه كان اسعد الناس واطيب الناس نفسا
ونبي الله داوود عليه الصلاة والسلام ومع انه كان ملكاً كان يصوم يوما ويفطر يوما ويقوم الليل ولم تشغله الملك فقد وجد السعادة بقرب الله وعبادته
وابنه سليمان عليه الصلاة والسلام كان ملكا من ملوك الدنيا باسرها (قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي ۖ إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ)
(هَٰذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) ومع انه لا يشغله هذا الملك بعبادة الله وذكر الله وكان اذا شغله الملك كان يقول ردوا علي فانها شغلتني عن ذكر الله والتقرب الى الله لانهم كانوا ليسوا عباد المال ولا الشهوات ولا السعادة الدنيوية انما كان مطلبهم الوحيد السعادة الاخروية وكانوا لا يجدون السعادة من الملك والجاه انما كان يجدون السعادة من تقربهم الى الله (رُدُّوهَا عَلَيَّ ۖ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ)
وقال هذه الكلمة لما عرضوا عليه الخيل وشغلته عن الصلاة العصر كانت صلاة واحدة فرفض ان يكون مشغولا لملكه من عبادة الله
وكان نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم وهو في الغار هاربا من قومه نام قرير العين على فخذ ابي بكر وهو مرتاح البال اسلم امره الى الله وابو بكر كان يقول لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لرءانا وكان يرد عليه (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ ـ رضى الله عنه ـ قَالَ قُلْتُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا فِي الْغَارِ لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ تَحْتَ قَدَمَيْهِ لأَبْصَرَنَا. فَقَالَ " مَا ظَنُّكَ يَا أَبَا بَكْرٍ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا ") تلك هي السعادة الحقيقة والاطمئنان والاستسلام لله وان تفوض امرك الى الله فلا يخيفك عدو ولا يشغلك بتدبيرهم ومكرهم لانك مع الله
وهو في طريقه الى المدينة وابو بكر يتحسس الطلب والعدو مرة الى الوراء ومرة الى الامام وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لابي بكر ما بك يا ابا بكر وكان ابا بكر مرتبكا وخائفا من القوم وكان رسول الله في قمة الهدوء والطمأنينة وقال لسراقة بكل جرأة ارجع يا سراقة فانك لا تقدر على قتلي ولا ايذائي تلك هي معية الله ويوعد رسول الله سراقة وهو في تلك الحال جائزة مما فاته من جائز قتله
وعلي ابن ابي طالب لما نام فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم ارادت قريش قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوه عليا اي ليلة اسعد في حياتك قال ليلة ان نمت في فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم
وكان أحد السلف كان أقرع الرأس أبرص البدن أعمى العينين مشلول القدمين واليدين وكان يقول: "الحمد لله الذي عافاني مما ابتلى به كثيراً ممن خلق، وفضلني تفضيلاً". فمر به رجل فقال له: مما عافاك؟ أعمى وأبرص وأقرع ومشلول فمما عافاك؟ فقال: ويحك يا رجل؛ جعل لي لساناً ذاكراً، وقلباً شاكراً، وبدناً على البلاء صابراً، اللهم ما أصبح بي من نعمه أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك، فلك الحمد ولك الشكـر قال تعالى: (وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ اْلرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لًهُ قَرِينٌ)
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يردد (وعن أنس ، رضي الله عنه، أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال:”اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة" )
ومن البديهي والعقل السليم والنفس السوية لا تعد النفس ولا تحب بشيء غير مستقر ولا يدوم ولا يتمتع بها الا ءاجالا وسنين يسيرة
انما النفس تحب السعادة الدائمة والعمر الطويل والنعمة الغير المنقطعة والصحة والراحة والاطمئنان وملك لا ينتهي وكراهية الموت وحب الدنيا وانشغالها وجمع المال والذهب والفضة والاولاد وكل هذا لا يجد فيها الدنيا الفانية (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ۗ ذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ)
أموالنا لذوي الميراث نجمعُها ***** ودورنا لخراب الدهر نبنيها
أين الملوك التي كانت مسلطنةً ***** حتى سقاها بكأس الموت ساقيها
فكم مدائنٍ في الآفاق قد بنيت ***** أمست خرابا وأفنى الموتُ أهليها
لا تركِنَنَّ إلى الدنيا وما فيها ***** فالموت لا شك يُفنينا ويُفنيها
لكل نفس وان كانت على وجلٍ ***** من المَنِيَّةِ آمالٌ تقويها
المرء يبسطها والدهر يقبضُها ***** والنفس تنشرها والموت يطويها
فالمال تارة يكون نقمة عليك ويفسد بها دنياك واخراك وكم من الملوك والاغنياء واصحاب الحيثيات الذين ملكوا المال والكنز والقصور انتحروا من اجل بحث السعادة ومع انهم يملكون بكل ما طاب ولذ وجمعوا المال يدعون انهم لم يجدوا السعادة في الدنيا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من أصبح منكم آمناً في سربه ، معافى في جسده ، عنده قوت يومه ، فكأنما حيزت له الدنيا بأسرها ) (فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون) أين الملوك التي كانت مسلطنةً ***** حتى سقاها بكأس الموت ساقيها
فكم مدائنٍ في الآفاق قد بنيت ***** أمست خرابا وأفنى الموتُ أهليها
لا تركِنَنَّ إلى الدنيا وما فيها ***** فالموت لا شك يُفنينا ويُفنيها
لكل نفس وان كانت على وجلٍ ***** من المَنِيَّةِ آمالٌ تقويها
المرء يبسطها والدهر يقبضُها ***** والنفس تنشرها والموت يطويها
واما الاولاد فليس هم السعادة الحقيقية ولا المستقبل المنتظر وهم اقرب الاقربين وانما هم في بعض الاحيان فتنة لك لدينك ودنياك ابتلاء من الله (إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم)
فليست المرأة ذات الحسب والنسب والجمال وذات المنظر الجذاب ليست هي السعادة بذاتها فان بعض النساء من تفسد دنياك واخراك وتقطع صلة ارحامك وتفسد العشيرة بين الاهل وشتت اسرة باكملها ومزقت شأفتها وفرقت بين الاخوات والوالدين فكم من زوج قطع ارحامه من اجل ارضاء زوجته واخذ والديه الى مساكن ودار العجزة والمسنين لتستريح زوجته من والديه ( ياأيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم)
(ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى)
فالمرء لا يدري اين هي مكمن السعادة ومخبئها ومحورها وسلامة نفسه وارتياح باله ولذة عيشه ومستقبله ( وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم ) فابن نوح عليه الصلاة والسلام اختار الموت والهلاك برؤيته وعقيدته السقيمة بدلا من سعادة الدنيا والاخرة (قَالَ سَآوِي إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ ۚ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ ۚ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ)
وفرعون لما شق الله البحر وانفلك لينجي موسى عليه الصلاة والسلام ومن تبعه من قومه فاتبع فرعون بغيا وعدوا ظننا منه ولرؤيته ان يقطع دابر موسى عليه الصلاة والسلام ومن ءامن معه وكانت نهايته وهلاكه واغرقه الله البحر (وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا ۖ حَتَّىٰ إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ)
ونبي الله يونس عليه الصلاة والسلام ترك قومه من غير امر من ربه لما عصوا قومه ولم يطيعوه تركهم ظننا انه يستريح منهم ويبتعد عن ءاذاهم ولكن كانت عكس مما ظن فادخله الله في ظلمات ثلاث (وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ. فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ)
فاصحاب الجنة لما ارادوا ان يمنعوا صدقة الحصاد من جنتهم وحرمانهم على الفقراء حتى لا ينقص مالهم كانت حرمانا لهم ولجنتهم (إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ (17) وَلَا يَسْتَثْنُونَ (18) فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ (19) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (20) فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ (21) أَنِ اغْدُوا عَلَىٰ حَرْثِكُمْ إِن كُنتُمْ صَارِمِينَ (22) فَانطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ (23) أَن لَّا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُم مِّسْكِينٌ (24) وَغَدَوْا عَلَىٰ حَرْدٍ قَادِرِينَ (25) فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (26) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ)
وقوم هود عليه الصلاة والسلام لما رأو سحابتا عارضا ممطرة ظننا لرؤيتهم واعتقادهم انها سحاب تحملهم غيثا استعجلوا اليها واتوا ناحيتها فرحين مستبشرين ولكن كانت نقمة لهم ودمارهم ودمار ديارهم واستئصال عقباهم (فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم ( 24 ) تدمر كل شيء بأمر ربها فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم كذلك نجزي القوم المجرمين)
فالسؤال هنا:-
هل السعادة شىء مستحيل وهل هي خيالية ووهمية وليست موجودة في الوجود اصلاً ونتعب انفسنا ونجري ونركض وراءها
بل هي موجودة ومستقرة في بعض النفوس المطمئنة الطاهرة التي عرفت قدر ربها حق المعرفة الذين استسلموا لربهم وفوضوا امرهم الى الله قلبا وقالبا
فليست السعادة بشرط جمع المال وسكن القصور الفارهة ولا الحشم ولا الخدم ولا المناصب ولا الملك انما هي موجودة في قلوب المتقين تجدهم افقر الناس وهم في قمة السعادة والاطمئنان وكان يقول السلف الصالح لو علموا الملوك مما نحن فيه من السعادة لجلدونا بالسيوف وكانوا افقر الناس ولا يملكون من الدنيا زخارفها ومتاعها شيئا الا انهم كانوا اسعدت نفوسهم بتوكلهم على الله وارتياحهم بما قسمهم الله كان شعارهم ارض بما قسم الله لك تكن اغنى الناس فلا ينظرون من كان فوقهم ولا يمدون ايديهم لغيرهم وكانوا يرددون (ما من رجل رأى مبتلى فقال : الحمد لله الذي عافانا مما ابتلاك به وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلا إلا لم يصبه ذلك البلاء كائنا ما كان)
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (يا محمد أتحب أن تكون نبياً ملكاً أم نبياً عبداً ؟ قال : بَلْ نبياً عبداً أجوع يوماً فأصبر وأشبع يوماً فأشكر)
وكان يربط على بطنه الحجر والحجرين ولا يوقد في بيته نارا ومع انه كان اسعد الناس واطيب الناس نفسا
ونبي الله داوود عليه الصلاة والسلام ومع انه كان ملكاً كان يصوم يوما ويفطر يوما ويقوم الليل ولم تشغله الملك فقد وجد السعادة بقرب الله وعبادته
وابنه سليمان عليه الصلاة والسلام كان ملكا من ملوك الدنيا باسرها (قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي ۖ إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ)
(هَٰذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) ومع انه لا يشغله هذا الملك بعبادة الله وذكر الله وكان اذا شغله الملك كان يقول ردوا علي فانها شغلتني عن ذكر الله والتقرب الى الله لانهم كانوا ليسوا عباد المال ولا الشهوات ولا السعادة الدنيوية انما كان مطلبهم الوحيد السعادة الاخروية وكانوا لا يجدون السعادة من الملك والجاه انما كان يجدون السعادة من تقربهم الى الله (رُدُّوهَا عَلَيَّ ۖ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ)
وقال هذه الكلمة لما عرضوا عليه الخيل وشغلته عن الصلاة العصر كانت صلاة واحدة فرفض ان يكون مشغولا لملكه من عبادة الله
وكان نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم وهو في الغار هاربا من قومه نام قرير العين على فخذ ابي بكر وهو مرتاح البال اسلم امره الى الله وابو بكر كان يقول لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لرءانا وكان يرد عليه (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ ـ رضى الله عنه ـ قَالَ قُلْتُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا فِي الْغَارِ لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ تَحْتَ قَدَمَيْهِ لأَبْصَرَنَا. فَقَالَ " مَا ظَنُّكَ يَا أَبَا بَكْرٍ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا ") تلك هي السعادة الحقيقة والاطمئنان والاستسلام لله وان تفوض امرك الى الله فلا يخيفك عدو ولا يشغلك بتدبيرهم ومكرهم لانك مع الله
وهو في طريقه الى المدينة وابو بكر يتحسس الطلب والعدو مرة الى الوراء ومرة الى الامام وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لابي بكر ما بك يا ابا بكر وكان ابا بكر مرتبكا وخائفا من القوم وكان رسول الله في قمة الهدوء والطمأنينة وقال لسراقة بكل جرأة ارجع يا سراقة فانك لا تقدر على قتلي ولا ايذائي تلك هي معية الله ويوعد رسول الله سراقة وهو في تلك الحال جائزة مما فاته من جائز قتله
وعلي ابن ابي طالب لما نام فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم ارادت قريش قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوه عليا اي ليلة اسعد في حياتك قال ليلة ان نمت في فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم
وكان أحد السلف كان أقرع الرأس أبرص البدن أعمى العينين مشلول القدمين واليدين وكان يقول: "الحمد لله الذي عافاني مما ابتلى به كثيراً ممن خلق، وفضلني تفضيلاً". فمر به رجل فقال له: مما عافاك؟ أعمى وأبرص وأقرع ومشلول فمما عافاك؟ فقال: ويحك يا رجل؛ جعل لي لساناً ذاكراً، وقلباً شاكراً، وبدناً على البلاء صابراً، اللهم ما أصبح بي من نعمه أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك، فلك الحمد ولك الشكـر قال تعالى: (وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ اْلرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لًهُ قَرِينٌ)
وكيف يسعد من كان قرينه الشيطان ويتلقى الاوامر من الشيطان (الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا والله واسع عليم )
No comments:
Post a Comment