Sunday, 9 November 2014

في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا

بسم الله الرحمن الرحيم 
الحمد لله والصلاة والسلام علي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى ءاله وصحبه وسلم

ان الله خلق الخلائق اجمعين وجعل كل مخلوق صفة خاصة وكيفية مخصصة فقدر فهدى كل مخلوق الى ما قدر له وكل مخلوق احسن خليقته فسوى في احسن الهيئات وكل يسر بما خلق وكل يستمد طاقته وغذاءه بما هيأه الله وقدره والهمه فمثلاً النبتات والاشجار يستمدون طاقتهم وغذاءهم من الماء والهواء والشمس وعناصر التربة (وفي الأرض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون) فاذا فقد احد من هذه العناصر اهلك واذبل ولم يؤتي اكلها ولا ثمارها 
واما الحيوانات فمنهم من يستمد طاقته وغذاءه من الاشجار والاعشاب والماء ومنهم من يستمد من اللحوم ومشتقات اللحوم والماء وكل هذا طاقات وغذاء للابدان وحفظ للحياة 
واما الانسان يستمد طاقته وغذاءه البدنية من الاعشاب واللحوم والماء والشمس فهذا القسم يشارك مع الاشجار والحيوانات والخلائق الاخرى 
ولكن الانسان هو المخلوق الوحيد الذي يحتاج الى طاقتين وغذائين مختلفين فهناك غذاء للقلب وهو نور روحانية وهداية من الله وذكر الله والخشوع مع الله والخوف من الله والاستقامة لله والتعظيم لله لأن الله لما يخاطب عباده بامر او نهي لا يخاطب البدن ولا الجوارح انما يخاطب القلب: افلا يتدبرون - افلا يعقلون - الا بذكر الله تطمئن القلوب (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) لأن الجوارح تبع للقلوب وتستأمر من القلب ولا تتحرك الجوارح الا بإذن من القلب سواء كان خيراً او شراً (حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ، عَنْ عَامِرٍ، قَالَ سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ، يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ ‏ "‏ الْحَلاَلُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لاَ يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِيِنِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى، يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ‏.‏ أَلاَ وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلاَ إِنَّ حِمَى اللَّهِ فِي أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ، أَلاَ وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ‏.‏ أَلاَ وَهِيَ الْقَلْبُ ‏") (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَٰلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ۚ وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ ۚ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ ۚ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ ۚ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا
اذاً فالقلب اذا فقد غذاءه النوراني والروحاني الذي يحييه وهو الحسيب والرقيب للبدن هو الذي يقول له للبدن ويلك ءامن يصبح الانسان اكثر ضلالة من العجماوات بل اشد ضلالة من الحيوان ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور (أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ ۚ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا
لأن الله ذكر في كتابه العزيز ان نور ءاياته وقرءانه تخشع به الجبال الاصم وتتصدع (لَوْ أَنْزَلْنَا هَٰذَا الْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ۚ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)  
والقلب الذي لا يتغذى بذكر الله ولا بخشوع الله ولا خوف من الله سماه النبي صلى الله عليه وسلم بصاحبه ميتاً (( عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِي اللَّهم عَنْهم قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لَا يَذْكُرُ رَبَّهُ مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ )) 
وهذا يدل على ان الغذاء الحقيقي للقلب هو الذكر والعبادة والاستقامة لله وهو الذي يطمئن به القلب وتنشرح به النفوس ويكون العبد متواصلا دائماً مع الله واما غذاء البدن فهو غذاء لنمو العضلات والقوة وتحسين البدن فان وافق البدن بالقلب فنعم البدن وان خالف البدن بالقلب فبئس البدن (حَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ، الأَصَمِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏ "‏ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ ‏") (وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال‏:‏ ‏"‏مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكره، مثل الحي والميت‏")
ما هو نتائج فقدان غذاء القلب:-
1) اذا فقد الانسان غذاء القلب صار بلا علم ولا عقل ولا هداية وان تقدم علومه الدنيوية مهما تقدم وارتقى بالتكنولوجيات العصر لأنه فقد النور الحقيقي والاتصال مع الله قلباً وقالباً ومخافة الله. والهداية هو نور الله ولا نور بعد نور الله (مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون ( 17 ) صم بكم عمي فهم لا يرجعون) (وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ)
2) اذا فقد الانسان هذا الغذاء اصبح حيراناً ضيق الصدر يستوحش بذكر الله وءايات الله ولا يستمتع الخلو مع الله ولا يستأنس ربه كأنه اختطفته الشياطين واضلتهم هنا وهناك فسيرته الشياطين كما تريد واطاعهم واجاب دواعيهم واتبع هوى نفسه وشهواته مهما كان ثمنها يركض وراءها ولا يستقر له بالاً الا بعد ان يشبع بما تأمر نفسه الامارة بالسوء ولا يعرف الخطأ ولا الصواب ولا طريق الصحيح فضل (قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَىٰ أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا ۗ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَىٰ ۖ وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) (وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ ۚ وَمَا لَهُمْ بِذَٰلِكَ مِنْ عِلْمٍ ۖ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ
3) والذي يفقد غذاء القلب لا يسعه سعة الاسلام ولا يجد في صدره سعة فيمل الحياة ويكره كل ما حواليه فيحاول ان يصعد من الدنيا الى السماء فلا يقدر فيجد في نفسه ضيقاً وحرجاً وحرقة وكآبة دائمة ولا يرتاح له بال ولا يجد السكينة في نفسه ويفقد الثقة مع ربه واساء الظن مع الله ويستمتع مع الشياطين ويكون لهم عبداً مخلصاً لا يخالف لهم امراً ولا نهياً (فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ ۖ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ ۚ كَذَٰلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ)          
4) والذي يفقد غذاء القلب لا يُقدر الله حق قدره ولا يعظمه ولا يجله بل يحس ويشعر ان الله اقل قدراً منه وعن عباده ويهين ربه ويشبه الله بخلقه ويستهزيء ءايات الله بسخرية واستكباراً (لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق ونقول ذوقوا عذاب الحريق ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد) ( قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون قال رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الارض فلا تأس على القوم الفاسقين)
5) ان فقدان غذاء القلب وطاقته النورانية تجعل العبد يستثقل ويتكاسل ويتهاون عبادة الله ولا يعبد الله الا قليلاً وينشرح صدره باللغو واللهو ويستمتع بالشهوات والملذات واللهو المحرمة ولا يمل حتى ولو انفق اكثر اوقاته ويسهر بالليالي (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَىٰ يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا) (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ أَثْقَلَ صَلَاةٍ عَلَى الْمُنَافِقِينَ صَلَاةُ الْعِشَاءِ وَصَلَاةُ الْفَجْرِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلَاةِ فَتُقَامَ ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِي بِرِجَالٍ مَعَهُمْ حُزَمٌ مِنْ حَطَبٍ إِلَى قَوْمٍ لَا يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ ) (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ)        
6) واذا فقد العبد غذاء قلبه يركض الدنيا وراءها كركض الحيوان ويعبد الله على حرف ان اصابه خيراً اطمئن وان اصابته ضراء انقلب على وجهه تغير وانقلب وجهه على عبادة الله ان لم تكن لصالح دنياه (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ ۖ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ ۖ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ) (وعنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال‏:‏ “تعس عبد الدينار والدرهم والقطيفة والخميصة؛ إن أعطى رضي؛ وإن لم يعط لم يرض‏")

No comments:

Post a Comment